تتحرر التنمية من احتمالات الإطاحة حين تتوافر فرص الموازنة بين برامجها والأداء المعتمد لتنفيذ هذه البرامج. وبعكس ذلك، تظل المخاطر محدقةً بها عندما لا تكون هناك أرضية تطابق بين الاثنين. أما السؤال الذي يمكن أن يتحدد على هامش ذلك فهو عن توفير الإتاحة لهذا النوع من الفرص، ليس بالتنسيق الذي يجمعهما فحسب، وإنما أيضًا في إطار خلق مقاربات للتطبيق تستمد حضورها من ذاكرة تمهد للبرامج التنموية مستقبلًا؛ لأن ضرورات التنمية تقتضي حضورًا متواصلًا مع الغد لكي لا يحصل أي انقطاع، وتلك الية لا يمكن أن تحصل تلقائيًّا، بل من خلال رؤية تأخذ بنظر الاعتبار جملة عوامل.
العامل الأول: معقولية البرامج التنموية لكي لا تكون عبئًا على اليات التنفيذ، وهذه أحد أهم متطلبات موازنة تتناسب مع القدرتين المالية والتنفيذية وإلا تقع بما اصطلح عليه عالميًّا (الفورات التنموية) التي أصيبت بها بعض الدول ضمن ذرائع (حرق المراحل)، لكنها فجأةً وجدت قدراتها تحت عبء ثقيل لا يمكن الاتساق به.
لقد أصيبت بذلك بعض دول شرق آسيا المعروفة بالنمور الآسيوية عندما أخفقت في احتواء برامج تنموية ذات طموح مغامر في العقد الثامن من القرن الماضي، ثم استعادت عافيتها الاقتصادية عندما أخضعت برامجها التنموية إلى التدرج المتناسب مع قدراتها. وهكذا يظل التدرج في البرامج عامل ضمانة في كل الأحوال، وهذا النسق من التدرج صاحب ـ وما زال يصاحب ـ التنمية في سلطنة عُمان منذ 1971، أول برنامج محسوب للتنمية اعتمد فيها، فقد مكَّنها من احتواء الكثير من العقبات التي واجهتها.
العامل الثاني: الكفاءة المستدامة، وهذا يتطلب المواظبة على العمل وسد الثغرات التي يمكن أن تحصل، وكذلك إدامة الكفاءة بالمزيد من التدريب وتوثيق الخبرة.
إن التدريب إذا أحسنت الياته في اعتماد آخر المستجدات وتضمَّن اختبارات موقعية، تكون مكاسبه كبيرة قادرة على أن تضيف فائض قيمة مُهمًّا للعمل ضمن خصوصيته البشرية المواظبة على تعميق التجربة الملبية لشروط التطور.
العامل الثالث: يتعلق بمقاييس الجودة من محتوى تطبيق هذه المقاييس على كل مراحل الإنتاج، واعتماد المقارنة بين المنتجات من ذات الأصناف، وبالتالي معرفة عناصر الاختلاف لتطوير المنتجات التنموية منخفضة الجودة.
إن الموازنة بين البرامج الاقتصادية وطبيعة الأداء ينبغي أن تكون ضمن ذاكرة متحركة تستجيب للمتغيرات التي تحصل، وإذا كانت الآليات التقنية تحسم المزيد من متطلبات السرعة والجودة يظل العقل البشري العامل الأهم حضورًا على صعيد متابعة الإنتاج بعين المراقبة والفحص والمواكبة الدائمة على عملية الحوكمة بين الاثنين، العنصر البشري والتقانة، إلى جانب الحوكمة المعروفة القائمة على الربط بين المؤسسات ذات العلاقة لتكوين المجال المتماسك للعملية التنموية عمومًا.
في هذا السياق أيضًا، ينبغي أن يظل عنصر توقع الصعوبات رهن التشغيل مع وجود المزيد من التحدِّيات التي تتعرض لها بيئة العمل. إن العوامل التي أشرنا إليها تظل محكومة بإنصاف الرأي العام لها، ولذلك قيل (التنمية ببيئتها البشرية)، وبمعنى أكثر وضوحًا استيعاب هذه العوامل والانصياع إلى موجباتها في المكان والزمن المعنيين وتلك أحد أهم الروابط التنموية التي لا يمكن التفريط بها.



عادل سعد
كاتب عراقي
[email protected]