[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/abdellatifmhna.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]عبداللطيف مهنا كاتب فلسطيني [/author]تتوفر كل الظروف الموضوعية المحيقة بالقطاع في محشره الإبادي المحاصر، والضفة المقهورة بالتنسيق الأمني والمستباحة من قطعان المستعمرين وغارات "المستعربين"، للانفجار... يضاف إليه، الراهن العربي الأردأ، الغارق في أتون بلوى فوضاه الأميركية الخلاقة، والمنشغل بمشاهد الذبح المتوحش المدروسة، التي توفر بصادم فظاعتها وفظاظتها لمنتجها، أي الغرب، ذرائعه المنشودة لإعادة استعماره المباشر للمنطقة،.

نداءات ضرورة الاستعداد، ودعوات وجوب التحضير الاستباقي، لجولة من حرب عدوانية قادمة على غزة المحاصرة، حتى قبل اكتمال دورة السنتين المعتادة الفاصلة بين شن الحرب عليها واللاحقة لما سبقتها، والتحذيرات المتلاحقة المنذرة باحتمال انهيار سلطة أوسلو في رام الله ووجوب الحؤول دونه، أو تفادي ما سينشأ من وضع مقاوم للاحتلال بالضرورة بعد انهيارها، بمعنى زوال التنسيق الأمني مع الاحتلال أثره في الضفة، هما الآن عنوانان خرجا إلى العلن ويطرحان كموضوع رئيس، أو قيد التداول في الإعلام الصهيوني، ولا يحول الانشغال بمعترك التحضير لجولة الانتخابات التشريعية، أو انتخابات الكنيست، المقتربة دون لوكهما وتصاعد الجدل حولهما.
هنا لا بد وأن يتبادر للذهن مباشرةً واحدة من المسلَّمات التي باتت في حكم المفروغ منها في لعبة السياسة الصهيونية، وخصوصًا في حال استدعاء العوامل المساعدة لتسهيل القفز إلى سدة الحكم والإمساك بناصية القرار في الكيان الصهيوني، هذه التي في مقدمتها دائمًا يأتي تصعيد التهويد وإراقة المزيد من الدم الفلسطيني. لكنه ليس من الصواب بمكان أن يُقتصر على النظر لما تقدَّم من هذه الزاوية فحسب على صحته. قد يُحتمل مثل هذا منا مثلًا، لو كان الأمر متعلقًا فقط بسيل التصريحات المتعلقة التي تترى من قبل مختلف صنوف المستوى السياسي الصهيوني الغارق حتى أذنيه في هذه اللحظة الانتخابية في شؤون وشجون المنافسات والمزايدات والمناكفات الانتخابية، أو مقتصرًا عليها. لكن مثل هذه الدعوات للاستعداد للحرب على غزة، أو الإعداد مسبقًا لها، والإنذارات المتعلقة بالخشية من انهيار سلطة أوسلو وخطورة تداعيات حدوثه أمنيًّا على الاحتلال، لم تقتصر على سياسيي الكيان ومتنافسيه على كراسي الكنيست، وإنما صدرت وتكررت وسُرِّبت إلى الإعلام من قبل الجيش، أو المستوى الأمني، أو الأهم والأساس، في مثل هكذا كيان هو بطبيعته ثكنة أصلًا.
بالنسبة للتهويد، فهو كل الأحوال استراتيجية صهيونية قائمة ومستمرة بحد ذاتها، أي لا تخضع مسألة اتباعها الدائب والدائم لما قد تفرزه هذه الانتخابات أو سواها، أو ما تأتي به أو لا تأتي ممن يحلو للبعض تصنيفهم يسارًا أو يمينًا، أو متطرِّفًا أو أشد منه غلوًّا. وبالتالي، فهو يظل مسلسلًا لا يتوقف ما دامت هناك أرض لم تهوَّد أو بصمة فلسطينية لم تمحَ من على ترابها، ومن آخر تجلياته المزمعة ما نقلته صحيفة "هآرتس" من أن مخططًا قد قدَّمته ما تدعى "الإدارة المدنية"، بتوجيه مما وصفته بالمستوى السياسي، يستدعى وجوب الإقدام على تحويل ما مساحته 3649 دونمًا إلى "أراض دولة"، بمعنى مصادرتها، من تلك الأراضي القليلة المتبقية لبعض القرى الفلسطينية، المحاذية لمستعمرات، "كادوميم"، "وحلميش"، و"عمناويل" شمال الضفة، و"فيرد يريحو" في غور الأردن بالقرب من البحر الميت بحجة توسيعها.
أما بالنسبة للحرب على غزة، فقد كثر كلام الصهاينة عن ذي قبل حول تمكُّن المقاومة من إعادة بناء كل ما دمرته الحرب من الأنفاق القتالية وعن حفرها لأنفاق جديدة، وعن مواصلة تطويرها لقدراتها الصاروخية، ورفعها الدائب لمستوى جهوزيتها القتالية واستعداداتها للمواجهة، الأمر الذي يستدعي منهم خططا جديدة لحرب يرون أنها آتية لا ريب فيها وباعتبارها باتت حاجة استباقية صهيونية... آخر من دخل على الخط هو واحد من مثل ليبرمان، كان ذلك من خلال مناكفاته وتسفيهاته لمزاعم نتنياهو ويعلون حول انتصار حربهما الأخيرة على غزة، ليشعل بالتالي فتائل جدل هو أصلًا لم يتوقف حول خسارة الكيان لهذه الحرب، أو الخلافات حول فشل استهدافاتها من عدمه، إذ يصف مثلًا، بعض الأحاديث الزاعمة بأن هذه الحرب قد "جعلت من حماس جاثية على ركبتيها" بأنها "كلام هراء"، ويؤكد: "إننا نقف أمام جولة رابعة ضد حماس"، ويحذِّر من أنها قد طوَّرت طائرات من دون طيار، وباتت لديها قدرات حرب سايبرية متقدمة.
حول الخشية من انهيار سلطة أوسلو، نقلت صحيفة "معاريف" ما قالت إنه تحذير من قبل الجيش الصهيوني للقيادة السياسية من انهيار يتوقعه للسلطة الفلسطينية يمكن تفاديه، ومما جاء فيه، إنه يرى أن مثل هذا الانهيار قد يتم لمجرد وقوع "حادث أمني صغير"، كمواجهة بين مستعمرين وفلسطينيين، وحتى "إلقاء زجاجة حارقة"... ويمضي في تعداده لمثل هذه الحالات، ليقول إن منها نشوب "أعمال شغب" في المثلث والجليل المحتل في العام 1948، وليخلص إلى أنها كلها من الممكن تحولها إلى "تصعيد شامل" يؤدي، وهنا بيت القصيد، إلى ما دعاه "سيطرة منظمات الإرهاب" على الضفة... ولاحقًا أعدت القيادة الوسطى في هذا الجيش خططًا لمواجهة هكذا احتمال، مضيفةً إلى مسبباته نتائج انتخابات الكنيست، ووضع السلطة الاقتصادي "المتدهور". وإذ رأت هذه القيادة أن هذين السببين كفيلان وحدهما بإيصال الأمور إلى "درجة الغليان"، ذهبت إلى توقع "أن يقود قطع الرواتب عن الموظفين إلى انهيار السلطة وانفجار الصدام"...
...تتوفر كل الظروف الموضوعية المحيقة بالقطاع في محشره الإبادي المحاصر، والضفة المقهورة بالتنسيق الأمني والمستباحة من قطعان المستعمرين وغارات "المستعربين"، للانفجار... يضاف إليه، الراهن العربي الأردأ، الغارق في أتون بلوى فوضاه الأميركية الخلاقة، والمنشغل بمشاهد الذبح المتوحش المدروسة، التي توفر بصادم فظاعتها وفظاظتها لمنتجها، أي الغرب، ذرائعه المنشودة لإعادة استعماره المباشر للمنطقة، وتسوِّغ لامتداداته المحلية التحاقها بركب تحالفات حملات حروبه الإرهابية المتنقلة على "الارهاب"... أي هذا الراهن الذي يوفر بدوره أفضل المناخات الملائمة لمواصلة الصهاينة التهام ما تبقى من الضفة، وشن حروبهم على غزة إن هم شاءوا شنَّها... أما السلطة فلن يُسمح بانهيارها، ذلك لأن "التنسيق الأمني" حاجة صهيونية!