من بوابة الاستيطان يعود الجدل ثانية حول ما إذا كانت هناك جدية لدى الحلفاء الاستراتيجيين لكيان الاحتلال الصهيوني بممارسة الضغوط على حليفهم المحتل للتجاوب مع متطلبات عملية السلام واستحقاقاتها، أم أن ذلك في إطار ذر الرماد في العيون تستدعيه الأوضاع السياسية الراهنة لا سيما في المنطقة بوجوب التعاطي والحضور الفاعل للغرب في مفاعيل ما تشهده المنطقة من فوضى وحراكات يستوجب مواكبتها وظيفةً وأهدافًا لتحقيق المصالح المشتركة بين الحلفاء الغربيين وحليفهم الاستراتيجي كيان الاحتلال الصهيوني، حيث أخذت حركة المقاطعة الأوروبية لبضائع المغتصبات/المستوطنات تكتسب المزيد من الزخم على الساحة الدولية على الأقل من الناحية الإعلامية، حيث أعلنت ـ على سبيل المثال ـ الممثلة الأميركية سكارليت جوهانسون التخلي عن دورها كسفيرة لمنظمة أوكسفام البريطانية والذي اعتبر أنه لا يتفق مع ترويجها لشركة صودا ستريم "الإسرائيلية" التي تملك مصنعًا في الضفة الغربية المحتلة.
ورغم أنه لا يمكن اعتبار الموقف الأوروبي الجديد من سياسة الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة والمطالبة بمقاطعة منتجات المغتصبات الصهيونية، بأي حال من الأحوال تحولًا جذريًّا في السياسة الأوروبية حيال كيان الاحتلال الصهيوني والانتقال إلى صف الشعب الفلسطيني، فالدعم الأوروبي للاحتلال الصهيوني الممتد من وعد بلفور إلى انتزاع الاعتراف العربي بكيان الاحتلال الصهيوني، مرورًا باتفاقية سايكس ـ بيكو، وصولًا إلى التمسك بأمن ذلك الكيان المحتل وحقه في الدفاع عن نفسه مبدأ، يعد أحد الثوابت في السياسة الأوروبية، وكذلك دعمه بالأموال والسلاح من مفاعلات نووية كمفاعل ديمونة الذي يعد أول مفاعل فرنسي تقدمه فرنسا لحليفها الاستراتيجي كيان الاحتلال الصهيوني، وغواصات دولفين الألمانية المتطورة جدًّا.
ولكن بغض النظر عن زخم المقاطعة سياسيًّا كان أم إعلاميًّا أم غير ذلك، فإنه من الناحية المعنوية يعد خطوة على الطريق الصحيح بضرورة وضع النقاط على الحروف والتمييز بين ما هو متوافق مع موجبات عملية السلام وقرارات الشرعية الدولية وما هو متناقض كليًّا ومعطل لها، ومن هنا يمكن اعتبار الموقف الأوروبي من المغتصبات/المستوطنات والمطالبة بمقاطعة منتجاتها كإجراء أخلاقي وأدبي وإنساني تفرضه طبيعة الصراع العربي ـ الصهيوني، يعبرعن رغبة أوروبية في دعم المفاوضات الجارية والعبور بها إلى نهايتها الصحيحة والسليمة والعادلة، خاصة وأن الاستيطان الحاصل والمستمر في التهام ما تبقى من الأرض الفلسطينية يتعارض مع القرارات الدولية ذات العلاقة ويمنع حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة.
ومع التأكيد على إيجابية الموقف الأوروبي من الاستيطان والمستوطنات، فإن ما يبعث على الحيرة والسخرية في الوقت عينه هو غياب الموقف العربي الداعم لهكذا مواقف وتوجهات والدخول على خط الأحداث بما يعطي الموقف الأوروبي وزنًا في عملية الضغط.