العلاقة بين وسائل الإعلام التابعة للحكومة بمختلف توجهاتها وكل ما يتعلق بالرأي العام الوطني ستبقى المحدد الرئيس الأهم لمستقبل تلك الوسائل والأدوات الإعلامية في الحياة الوطنية أو الداخل الوطني، بالإضافة إلى بقائها كمؤثر بالغ الأهمية في تمكين أو إضعاف النظام السياسي والحكومة خلال الفترة الزمنية القادمة. بمعنى آخر، أن الأدوات والوسائل الإعلامية الحكومية ستكون الورقة الرابحة إن تم استغلالها بشكل صحيح في تعزيز مكانة الدولة والنظام السياسي. في الجانب الآخر يمكن أن تتحول إلى تهديد لاستقرار الأنظمة السياسية الحاكمة والحكومات في مختلف أنحاء العالم.
حيث تتضاعف الأخطار والتهديدات التي تحيط بوسائل الإعلام التابعة للحكومة في البيئة الأمنية المعاصرة في مواجهة الرأي العام الوطني وليس ذلك بسبب كم الأخطار فقط، بل جراء توسع الآثار والانعكاسات الناتجة عنها جراء انفتاح المجتمعات على بعضها البعض ونتيجة وجود وسائل الإعلام الإلكترونية ووسائط التواصل الاجتماعي التي أصبحت هي الأخرى تمتلك القوة والسلطة الإعلامية نتيجة سرعتها في نقل الأخبار والأحداث وتحليلها، الأمر الذي أضعف من قدرة الوسائل الرسمية في التعامل مع معظم تلك التهديدات بطرق الاحتواء أو التكتم والتحكم بها كما كان في سابق الوقت
يضاف إلى ذلك أن ارتفاع وعي الأفراد وتعليمهم أسهم كثيرا في إضعاف الثقة بتلك الوسائل الإعلامية الرسمية نتيجة عدم قدرتها على تلبية متطلبات الأفراد والمجتمعات المعاصرة، خصوصا في عالمنا العربي فيما يتعلق بقضايا الحرية والديموقراطية وتسليط الضوء على مسائل حقوق الإنسان والحقوق المجتمعية في مواجهة الأنظمة السياسية والحكومات، الأمر الذي ضاعف من عزوف الرأي العام في الوطن العربي من التعاطي مع تلك الوسائل الإعلامية واستسقاء المعلومة أو الخبر منها إلا أوقات قليلة قد تنصب في حصرية الأخبار المحلية أو القضايا الداخلية مع الكثير من الحذر.
على ضوء ذلك سنحاول في هذه الدراسة الموجزة تناول أبرز التهديدات الدولية أو الخارجية المحتملة التي ستواجه وسائل الإعلام الحكومية خلال الفترة الزمنية القادمة، تحديدا تلك المخاطر التي سيكون لها التأثير المباشر في الرأي العام الوطني والدولي، مع الإشارة إلى أن هناك قضايا قد تكون مشتركة إلى حد كبير بين الدول، بينما هناك قضايا أخرى قد تشكِّل ذلك التأثير على وسائل إعلام دولة ما ولكنها لن يكون لها التأثير المماثل على وسائل إعلام دولة أخرى في علاقتها مع الرأي العام الوطني.
أبرز التهديدات والمخاطر الدولية التي ستواجه وسائل الإعلام التابعة للحكومة والتي ستؤثر في علاقتها بالرأي العام الداخلي هي:
أولا: الأزمات الاقتصادية: لا شك أن التهديدات التي تصيب اقتصاد الدول وتؤثر في موازناتها المالية، وبالتالي تنعكس سلبا على معيشة المواطنين والحياة الوطنية، ستشكِّل الخطر الأبرز والأهم ـ من وجهة نظري ـ خلال الفترة الزمنية القادمة. ولعل هذا التهديد سيكون الأكثر وضوحا في العلاقة بين وسائل الإعلام التابعة للحكومة والرأي العام الداخلي.
لذا فإن طريقة تعاطي تلك الوسائل الإعلامية الرسمية مع القضايا الاقتصادية والكيفية التي ستقوم عبرها بنقل المعلومة والخبر وتحليله ستمثِّل التحدي الأبرز في الفترة القادمة أمامها، خصوصا أن هذا النوع من الأزمات سيتضاعف كثيرا خلال العقود التالية.
ثانيا: العلاقات الدولية: علاقة الدولة بمكوِّناتها السياسية مع بقية الأطراف الدولية وتأثير القضايا المختلفة التي تتداخل فيها المصالح الدولية مع المصالح الوطنية ستكون من القضايا المؤثرة في العلاقة المباشرة بين وسائل الإعلام التابعة للحكومة والرأي العام الوطني، من أبرز الأمثلة الحية على ذلك قضية الصراع العربي الفلسطيني مع إسرائيل.
ثالثا: الأزمات والكوارث الطبيعية: ستشكِّل الأزمات والكوارث الطبيعية مثل الأوبئة والفيضانات ـ على سبيل المثال لا الحصر ـ أبرز القضايا الخارجية التي ستؤثر سلبا أو إيجابا في علاقة وسائل الإعلام التابعة للحكومة بالرأي العام الوطني.
رابعا: العمليات الإرهابية الدولية: تعامل وسائل الإعلام الحكومية مع العمليات والتنظيمات الإرهابية العابرة للحدود الوطنية، وطريقة النظر إلى تلك القضايا ستخضع لتقييم الرأي العام الوطني في الفترة القادمة على اعتبار أن تلك المخاطر والتهديدات ستتداخل كثيرا مع المصالح الوطنية مثل تأثيرها في الاقتصاد والعلاقات الدولية.
خامسا: الإعلام الدولي المضاد: تعامل وسائل الإعلام المختلفة في الدولة، خصوصا وسائل الإعلام التابعة للحكومة مع الجهات والوسائل الإعلامية الدولية وقدرتها على مواجهة الأخبار المضللة أو المغلوطة أو الإشاعات، خصوصا القضايا التي تؤثر في الداخل الوطني أو تتداخل معه مثل الأزمات الاقتصادية أو الإرهابية أو الأزمات الطبيعية أو علاقات الدولة مع بقية الوحدات الدولية سيكون لها التأثير الكبير في علاقة تلك الوسائل الإعلامية الرسمية بالرأي العام. فمتى ما تمكنت تلك الوسائل من تحجيم خطر الإعلام الخارجي بأسلوب مهني محترف ستنجح في كسب الرأي العام الداخلي، أما إذا تعاملت مع تلك الوسائل بضعف أو عدم مهنية فإنها ستواجه النقد الكبير وتراجع الثقة، بل ستتهم بالتقصير في حق حماية الوطن من الأخطار والتهديدات الدولية أو الخارجية.
مما سبق يبدو أن أغلب تلك التحديات والمخاطر والتهديدات العابرة للحدود الوطنية والتي ستؤثر كثيرا في علاقة وسائل الإعلام التابعة للحكومة والرأي العام الداخلي تنبع في مجملها من البيئة الأمنية الدولية، الأمر الذي يدفع إلى أهمية التركيز في البحث والدراسات الإعلامية القادمة على تلك القضايا خصوصا، بالإضافة إلى أهمية دراسة البيئة الأمنية الخارجية وانعكاساتها على وسائل الإعلام الوطنية عموما ووسائل الإعلام التابعة للحكومة على وجه الخصوص.


محمد بن سعيد الفطيسي
باحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية
رئيس تحرير مجلة السياسي – المعهد العربي للبحوث والدراسات الاستراتيجية
[email protected]
MSHD999 @