لم تكن قمة مفاجئة التي جمعت دول الخليج العربي ومصر والأردن في أبوظبي مؤخرا كما يظن ويعتقد الكثير من المتابعين، وإنما كانت قمة أملتها الظروف والتحدِّيات التي تواجه الأمَّة العربية وأبرز قلاعها في لحظة وانعطافة في مسار العمل العربي المشترك لبلورة موقف عربي يتصدى لتبعات هذه التحدِّيات ليس على الأمن القومي العربي فحسب، وإنما على الاستقرار والازدهار في المنطقة، وترسيخ التعاون بين دوله التي سبقتها قمة مصغرة في القاهرة جمعت الرئيس المصري مع العاهل الأردني والرئيس الفلسطيني كرّست لبحث تطورات القضية الفلسطينية في ضوء المستجدات الراهنة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والحفاظ على الحقوق الفلسطينية المشروعة وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس الشريف. وليس عيبا أن يدعم ويساعد القادة العرب إخوتهم الذين يعانون من ضائقة اقتصادية، وهو موقف ينبع من دواعي المسؤولية القومية التي تتطلب ترصين وتعزيز هذا المنهج الواعي المستجيب لحاجات أشقاء استوجب الموقف دعمهم وتخفيف وطأة تداعياته المالية على شعوبهم.
لقد بات واضحا أن ما تشهده المنطقة والإقليم العربي من تحدِّيات وأزمات يتطلب مزيدا المشاورات والقمم المصغرة واللقاءات المنفردة بين أقطار العروبة؛ لأنها محركات ضرورية تعطي دفعًا لدوراتها وصولًا لرؤية واقعية للتصدِّي لتبعات الأضرار التي تلحق بموجبات العمل العربي المشترك، وتدرأ الأخطار عنها.
وما تشهده فلسطين وسوريا ولبنان والسودان واليمن والعراق ومصر والأردن ودول الجوار العربي تتطلب العمل الجماعي لوقف تداعيات أزمات هذه الدول، وإبعادها عن دائرة الاستقطاب السياسي وحتى الطائفي. من هنا تكمن أهمية القمم العربية رغم تحدِّياتها، إلا أنها تشكِّل نهجا جديدا في مسار العمل العربي، وليس تعطيلا لجهود جامعة الدول العربية كرافعة قومية لأقطارها.
فمن دون التصدِّي للتحدِّيات التي تواجه الأمَّة العربية وأقطارها فإن الواقع العربي الحالي سيشهد تراجعا سياسيا واقتصاديا وأمنيا ربما لا تستطيع هذه الدول منفردة من تحمُّل أحمال وأثقال الأزمات التي تواجهها.
إن العالم اليوم من فرط ما يشهده من أحداث وأزمات وحروب يستدعي موقفا جماعيا لدرء أخطارها؛ لأن مواجهتها انفرادا لن يحمي دولنا من ارتدادات هذه الحروب والتحدِّيات، وإنما يجعلها لقمة سائغة للطامعين بثرواتنا ومستقبلنا. فأزمات الدول التي أشرنا إليها خطيرة وصعبة، لكنها ليست مستحيلة إذا تضافرت الجهود وتعززت إرادتها واستندت إلى جدار الأمن القومي العربي بعيدا عن اللجوء إلى العامل الخارجي الذي تتقاطع أهدافه عن أهداف الخيار الوطني.
من هذا المنطلق الذي يستجيب لدواعي المسؤولية القومية
والتمسك باشتراطاته ومتطلباته، جاءت قمة القاهرة وأبوظبي تعبيرا عن إحساس القادة العرب لتوسيع دائرة التلاقي والتشاور، والتوقف عند إيجاد مخارج واقعية لأزمات بعض الدول العربية شكَّلت انعطافة ومنهجا جديدا في مسيرة العمل العربي المشترك ومحركاتها الجديدة التي تأخذ بنظر الاعتبار معالجة مسببات الأزمات وسُبل حلها داخل البيت العربي بعيدا عن الحلول الخارجية التي لا تلبِّي حاجات وتطلعات الدول الباحثة عن الأمن والاستقرار والازدهار والرفاه الاقتصادي.


أحمد صبري
كاتب عراقي
[email protected]