يمرُّ العالم أجمع والمنطقة العربية على وجه الخصوص بالعديد من الأزمات والصراعات الملتهبة والممتدة طوال العقد الماضي، حيث تعاني العديد من دول المنطقة صراعات وحروبا أهلية، بالإضافة إلى الأزمة الروسية الأوكرانية ذات المردود السلبي على الاقتصاد العالمي. لذا لا نحتاج لصراعات أخرى تتولد وتفرز أزمات، وتجعل الأوضاع تتفاقم بشكلٍ أكبر مما هي عليه الآن، فنتائج الماضي تؤكد أن تداعيات الأزمات والحروب والصراعات لا تقف عند حدود الدولة التي خرجت منها، لكنها تؤثر على المنطقة بكافة مُكوِّناتها، ويكون لها تداعيتها العالمية، التي يدفع ثمنها سكان هذا الكوكب التعيس، التي تكالبت عليه مشاكل عدة وزادت من تعقيدات أزماته، وجعلت أكثر من ربع سكانه رهينة للفقر والجهل والمرض.
أقول هذا في وقت تعطلت فيه مساعي الوصول لحل نهائي في ملف إيران النووي، وتمسكت كافة الأطراف بشروط تعجيزية، أثارت مخاوف من عدم قدرة المتفاوضين للوصول لصيغة تعيد الاتفاق النووي إلى الحياة، خصوصا مع وجود حكومة شديدة التطرف على رأس دولة الاحتلال الإسرائيلي، حكومة تسعى منذ عقود لإشعال أتون الحرب في المنطقة، حكومة وضعت إفشال الاتفاق النووي الإيراني على سلَّم أولوياتها، حيث أعلن نتنياهو في أول اجتماع لحكومته، أنها ستعمل (علنا)، من موقع قوة، على الساحة الدولية ضد العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني، ليس فقط في المحادثات مع القادة خلف الأبواب المغلقة، ولكن بقوة وعلانية على مستوى الرأي العالمي.
وهو تصريح يتكرر بشكل يومي من دولة الاحتلال، ويؤشر إلى مساعي توريط المنطقة في حرب كارثية ذات تبعات غاية في الخطورة، سيدفع ثمنها دول العالم أجمع، ودول الخليج العربي على وجه الخصوص، حرب لا رابح فيها على مستوى العالم أو الإقليم، إن وقعت، حتى الدول الغربية التي تحدث عنها نتنياهو، ستدفع ثمنا كبيرا على كافة المستويات الاقتصادية والسياسية، فإذا استطاع عقلاء العالم تحجيم المواجهة الأوكرانية الروسية، وعدم وصولها لحرب عالمية (حتى الآن)، فإن وجود حرب إسرائيلية إيرانية سيشعل بالتأكيد الأحداث، ويتجه بها نحو حرب عالمية مؤكدة، ستنطلق شرارتها من المنطقة العربية، وسندفع نحن الثمن الأكبر منها، وسندخل في نفق مظلم لا يعلم مداه إلا الله سبحانه وتعالى.
إن القادة الخليجيين والعرب باتوا الآن مطالبين بصف موحد، يسعى إلى تبديد المخاوف من إيران، دون الانجرار للنيات الإسرائيلية، بحيث يحافظون على التمايز بين القلق المبرر من نووي إيران، وبين صراعات عالمية، وتحالفات مهددة للأمن والسلام والاستقرار، نحن في غنى عنها؛ لأن طموحات دول الخليج ورؤاهم الاقتصادية الطموحة، وأهدافهم في تحقيق نهضة شاملة مستدامة، ستصطدم بالتأكيد بنتائج تطوير هذا الصراع، وتحويله من سياسي إلى عسكري، وسيكونون الضحايا الرئيسيين التي تسعى تلك الحكومة المتطرفة للكيان الصهيوني إلى إشعالها، مستغلة حالة القلق الخليجي الإيراني المتبادل، متجهة بالأحداث نحو تصعيد لا يحمد عقباه، ونعود ونكرر... لن ينجو منه أحد.


إبراهيم بدوي
[email protected]