من منا لا يحمل ذكريات جميلة عن مهرجان مسقط، على اختلاف الأجيال والأعمار منذ انطلاقه في نهاية تسعينيات القرن الماضي، حتى توقفه عقب انتشار جائحة كورونا، وكيف كانت انطلاقته قوية، حتى أنه تفوق أحيانا على أكبر المهرجانات الخليجية، كان الأطفال والكبار ينتظرون انطلاق المهرجان بفارغ الصبر للاستمتاع بفعالياته وأجوائه الشتوية التي تتزامن مع إجازة نصف العام، حيث تتزين شوارع وميادين العاصمة بالألوان والأضواء وتتبارى الفرق والعروض الفنية والثقافية والترفيهية المحلية والعربية والعالمية في إحياء أيامه ولياليه، كما كان المهرجان نافذة لأصحاب الحرف والمهن التقليدية والصناعات الصغيرة والمتوسطة، للترويج وعرض منتجاتهم التراثية وبيع الأطعمة والمشروبات الشعبية بأسعار يسيرة.
حقق المهرجان نجاحات عظيمة على مدار دوراته، وأنعش حركة البيع والشراء، حيث كان يصاحبه انطلاق عروض تجارية وتخفيضات وتنزيلات على كافة السلع والبضائع، تشارك فيها معظم المحال والمراكز التجارية، الأمر الذي ينعش الاقتصاد ويخلق فرصا ووظائف ومصادر رزق لقطاع كبير من المواطنين والوافدين وأصحاب الأعمال، كما اجتذب المهرجان سائحين من كافة دول العالم، كانوا يستمتعون بأجواء مسقط الساحرة، ويتجولون في كافة مواقع المهرجان الذي كان يتزامن مع موسم السياحة الشتوية.
كما كان مهرجان مسقط فرصة للتعرف على ثقافات الدول والشعوب، حيث كان يخصص مساحات لكل دولة لإقامة جناحها، وكانت الدول تتبارى في عرض فنونها الشعبية ومنتجاتها التراثية، لذلك كنت تحتاج إلى أيام وزيارات متعددة، لتغطية فعاليات وأنشطة المهرجان، والاستمتاع بفقراته. وكانت هناك حفلات شاطئية تجتذب آلاف المشاهدين، أحياها مشاهير الطرب والغناء في العالم العربي، كما توافدت الفرق المسرحية ونجوم الكوميديا العرب، لتقديم أعمالهم المسرحية أمام جمهور المهرجان، و كان شاطئ العذيبة مسرحا للعروض التي تقدمها طائرات الاستعراض بأدخنتها الملونة، وكانت الألعاب النارية التي تلون سماء مسقط مقصدا لآلاف الزوار، وكان جدول وترتيب وأماكن الفعاليات محفوظا لدى الجميع.
مع عودة “ليالي مسقط “ بمسماها الجديد، تعود آمال الانتعاش والتعافي، الذي بدأنا نلمسه في كافة الأنشطة الحياتية في عُماننا الحبيبة، وحرص القائمون على تنظيم “ليالي مسقط” على تقديم مضامين متجددة في الأنشطة والفعاليات المقدمة هذا العام، تلبي تطلعات وأذواق كافة فئات المجتمع وتجذب السائحين والزوار المحتملين، وجاء حفل الافتتاح معبرا عن هذا التطوير من خلال اللوحات المتوهجة بالأضواء والألوان الصاخبة وعروض الليزر المبهرة.
هناك تعطش من الجمهور، خصوصا الأطفال والمراهقين والشباب للترفيه والانطلاق وإخراج الطاقات، ويوم الجمعة الماضي كان هناك حفل للمطرب الشهير عمرو دياب في منطقة السيفة، ورغم ارتفاع أسعار التذاكر وبُعد المسافة حضر الآلاف قبل الموعد بساعات، وتفاعلوا مع مطرب الحفل حتى الساعات الأولى من الصباح، فالترفيه تحول اليوم لصناعة ضخمة تدر الملايين وتولد وظائف، وتمنع الأموال من الانتقال لخارج البلاد، وكلنا نرى الآن تنافس الدول المجاورة في إقامة المرافق الترفيهية وتنظيم الفعاليات الثقافية والفنية وجلب الفرق والعروض العالمية، لتلبية احتياجات الترفيه لدى أبناء شعوبها وجذب الزوار من الدول المحيطة، وسلطنة عمان بما تمتلكه من مقوِّمات سياحية وبشرية، قادرة على أن تكون مركز جذب ومنافسا قويا في هذا المجال.


محمد عبد الصادق
[email protected]
كاتب صحفي مصري