خلق الله الكون بقدرته وعظمته، فأبدع فيه قدر ما أبدع، ولم يخلق شيئًا فيه عبثًا، ثم أوضح لنا سبحانه وتعالى الحكمة من الخلق، فقال: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات ـ 56)، فكان هذا سبب الخلق الوجود، والإنشاء والتكوين، وُجِدناَ لنعبد الله حق عبادته، ونُطيعه كما أمرنا، خُلِقنا للطاعة والعبادة، وليس للعصيان والتمرد، فكان الطائع هو الناجي الرابح، والعاصي ـ المُصرُّ على العصيان ـ هو الهالك الخاسر في الدنيا والآخرة.
ولما كانت العبادة هي سبب الخلق والوجود، وطيب العيش في الحياة الدنيا، والنجاة في الحياة الآخرة، كان لِزَامًا على الإنسان أن يُطوِّع كل شيء حوله ليعينه على عبادة الله وطاعته، وتنفيذ أوامره، واجتناب نواهيه.
وكما أمرنا الله بعبادته، أمرنا بتعمير الأرض، والتناسل والتكاثر، فخلق حواء من آدم عليه السلام، وزوجها له، فكان الزواج هو أساس بناء المجتمعات وتعمير الأرض وتنفيذ أمر الله في خلقه، ثم أوضح الله لنا السبب الذي لأجله قَسم روح البشرية الواحدة إلى روحين، وجعلهما يتشاركان كل شيء في الحياة، فقال:(وَمِنْ ءَايَتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَجًا لِّتَسْكُنُواْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً) (الروم ـ 21).
فكان الزواج هو الطريقة التي يحصل بها الإنسان على السكن، فيذهب لنصفه الآخر ويسكن إليه، وجعل الله الزوجين لبعضهما البعض سكنًا وأمانًا، وهدوءًا وطمأنينة، وراحًة ورحمة، وسندًا وعونًا وودًّا.
وهكذا يعرف المسلم الطائع لأمر ربه دوره كزوج، وتعرف المسلمة الطائعة لأمر ربها دورها كزوجة، فمن عبَدَ الله حق العبادة، أدَّى للبشر حقوقهم، فكان زوجًا صالحًا، وكانت زوجةً صالحة.
ولما كان الدور الأساسي للإنسان العبادة، وجب أن يختار الإنسان شريك الحياة الذي يفهم هذا المبدأ، ويُعينه عليه، فيختار الرجل زوجةً صالحة تُعينه، ولا تتزوج المرأة إلا زوجًا صالحًا يُعينها، فيتحقق الهدف الأول والأساسي من الزواج، وهو إنشاء أسرة مسلمة صالحة، تنشغل بطاعة الله وعبادته.
ولما يتم الزواج بهذه الصورة الجميلة، يأتي منه نسل صالح، يُربّى تربية حسنة، حيث تعمل الأم الصالحة ويعمل الأب الصالح على تربية أبنائهما في صلاح وتقوى وطاعة، فيكونا نفَّذا أمر الله، واتبعا السبب الأساسي الذي خلق لأجله البشر.
فالرجل الصالح يختار الزوجة الصالحة، فينجبا أبناءً صالحين، فيكونون نواة من نويات المجتمع المسلم، أما لو فسد الرجل، ولم يختر الاختيار الصحيح، فكانت زوجة فاسدة وعاصية، لأنجبا أبناء فاسدين غير ملتزمين بمبادئ الدِّين العظيم، ولضاعت الأسرة وانهارت قِيَم المجتمع، فالإنسان الصالح في نفسه، مُصلِح لمجتمعه، والإنسان الفاسد في نفسه، مُفسِد لمجتمعه، قال الشاعر:(الأُمُّ مَدرَسَةٌ إِذا أَعدَدتَها.. أَعدَدتَ شَعبًا طَيِّبَ الأَعراقِ).
اعلم أيها الشاب أن الدِّين والأخلاق هما المعياران الرئيسيان في تكوين الأسرة الصالحة التقية، وأن تلك الأسرة ستكون نواة من نويات تكوين مجتمع متمسك بمبادئ الدِّين، فمهما كان لديك من صفات محددة لزوجتك يجب أن يكون الدِّين في مقدمتها، وأولها، وعلى رأسها، وكل صفة أخرى تأتي لاحقًا، فالمرأة الصالحة التقية هي التي تربي الأبناء الصالحين الأتقياء، والأبناء الأتقياء يكبرون وينشأون أسر مسلمة تحفظ حدود الدين، لهذا عليك ـ أيها الشاب المسلم ـ الاجتهاد لتختار الزوجة الصالحة التقية النقية العفيفة، وتسير على نهج النبي (صلى الله عليه وسلم) عندما قال:(فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ؛ تَرِبَتْ يَدَاكَ) (حديث صحيح).



حسين بن علي السرحاني
كاتب عماني
hussein_alsarhani@