المظاهرات في تل أبيب وغيرها من المدن، ليس لها من هدف حقيقي سوى إدامة الوضع القائم، أو كما سمَّاه المؤرخ «الإسرائيلي» شلومو ساند، بـ»الإثنوقراطية الليبرالية»...؟ وكسر ائتلاف نتنياهو الذي يُريد إحداث تغييرات في جانب من الوضع القائم، وبما يَمسُّ المحكمة العليا وسلطتها.
فالحراكات اليومية وعلى كل المستويات تزداد داخل «إسرائيل» في سياق المواجهة بين معسكر الحكومة اليميني الفاشي الثيوقراطي، والمعسكر اليميني الآخر المعارض لها، بشأن مشروع نتنياهو ومن معه في ائتلافه لتقليص صلاحيات المحكمة العليا وتهميشها، بل وفي التحكُّم بتعيين قضاتها. فيما يُسارع قطبا اليمين المتطرِّف من أقطاب «الصهيونية الدينية»: إيتمار بن جفير وبتسلئيل سموتريتش، إلى تنفيذ مخطَّطاتهما، خصوصًا في ما يتَّصل بالاستيطان. وهي مخطَّطات ترفضها مجموع دول الاتحاد الأوروبي، وحتى إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، التي تدعو للحفاظ على الوضع القائم.
ولم تُكمل حكومة بنيامين نتنياهو شهرها الأول، حتى بدأت تعتمل الخلافات والصدامات الداخلية في الخريطة الحزبية «الإسرائيلية» وبين المعسكرين الرئيسَيْن، وهو ما من شأنه أن يقود نحو التأزم في مسار الحكومة، وصولًا إلى التوقعات التي تقول بانفراط عقدها لاحقًا وعلى مدى ليس بالبعيد. وفي هذه التحوُّلات «الداخلية الإسرائيلية»، جاء قرار المحكمة العليا كـ»لطمة» في وجه نتنياهو وائتلافه الحكومي، بإقالة ركنٍ من أركانها، هو أرييه درعي زعيم حزب (شاس) لليهود الشرقيين المتدينين (السفارديم)، والذي استجاب له نتنياهو ونفذه على الفور.
وفي مساعي معسكر المعارضة في مواجهة ائتلاف الحكومة، قاطعت أحزاب المعارضة يوم الأحد الماضي23 كانون الثاني/يناير 2023، جلسة المداولات في لجنة القانون والدستور في الكنيست، حول مشروع قانون يهدف إلى تغيير تركيبة لجنة تعيين القضاة، الذي قدمه رئيس اللجنة، سيمحا روتمان، من أحزاب «الصهيونية الدينية». سيمحا روتمان الذي قال إن «الديمقراطية الإسرائيلية مسجونة في أقبية المحكمة العليا، في غرفة مبطنة ولذلك لا نسمع صرخاتها».
ويأتي مشروع القانون، الذي يسعى نتنياهو لتمريره، في إطار خطة إضعاف جهاز القضاء والتي يقودها وزير القضاء، ياريف ليفين. وجاء في بيان مشترك صادر عن أحزاب المعارضة أن «سلوك روتمان من كتلة الصهيونية الدينية، يُعبِّر بشكلٍ كامل عن نياته ونيات ليفين ونتنياهو تجاه جهاز القضاء كلِّه، من خلال طمس الأنظمة الديمقراطية وإسكات صوت المستشارين القانونيين والقضاة».
وتجري المداولات في اللجنة تحت عنوان «نُعيد العدالة إلى جهاز القضاء». وبحسب مشروع القانون لتغيير تشكيلة لجنة تعيين القضاة، ويقترح سيمحا روتمان أن تتألف اللجنة التي يرأسها وزير القضاء من تسعة أعضاء، بينهم رئيس المحكمة العليا ورئيس متقاعد للمحكمة المركزية ورئيس متقاعد لمحكمة الصلح يعينهما وزير القضاء بموافقة رئيس المحكمة العليا. وذلك إلى جانب وزير القضاء ووزيرين آخرين تعيِّنهما الحكومة، وثلاثة أعضاء كنيست، هم رئيس لجنة الكنيست ورئيس اللجنة لشؤون مراقبة الدولة ورئيس لجنة القانون والدستور، ما يعني أن تكون في عضوية لجنة تعيين القضاة أغلبية ساحقة للائتلاف اليميني الفاشي وحكومته بقيادة نتنياهو.
وانطلاقًا مما ورد أعلاه، فإن الحكومة «الإسرائيلية» الحالية، كالبطة العرجاء، التي لا تستطيع مواجهة الاستحقاقات الداخلية قبل الخارجية في «إسرائيل»، وبالتالي فهناك احتمالات واضحة لتفككها بعد فترة زمنية قد لا تطول.
«.. ولم تُكمل حكومة بنيامين نتنياهو شهرها الأول، حتى بدأت تعتمل الخلافات والصدامات الداخلية في الخريطة الحزبية» الإسرائيلية «وبين المعسكرين الرئيسَيْن، وهو ما من شأنه أن يقود نحو التأزم في مسار الحكومة..»



أ.د. محمد الدعمي
كاتب وباحث أكاديمي عراقي