«6» عاصمة الحرب الكورية.
«بوسان»، المدينة التي تصنف في المرتبة الثانية من حيث الأهمية التاريخية والاقتصادية والسياحية وفي عدد السكان بعد سيئول، ولكونها كانت عاصمة كوريا الجنوبية المؤقتة خلال سنوات الحرب الكورية في خمسينيات القرن المنصرم، واستضافت العديد من الفعاليات الرياضية والثقافية العالمية، وتمتلك الكثير من عناصر الجذب السياحي والآثار الدينية والتاريخية، وجمال الشواطئ ورفاهية الحياة، والمنتجعات والمطاعم الفاخرة… لكل هذه المحفزات والدوافع. كانت زيارتها وتخصيص بضعة أيام لاستطلاع واكتشاف مدينة جميلة من أساسيات برنامج هذه الرحلة، وقد أخذنا بالقطار السريع من سيئول حوالي ساعتين ونصف الساعة مقارنة بالسيارة التي تحتاج إلى أكثر من خمس ساعات. فكوريا الجنوبية تقدم لمواطنيها والسياح الذين يزورونها خيارات واسعة ومريحة للتنقل عبر شبكة ووسائل النقل الجوي والبحري والبري… سلسلة المصانع وشبكات الطاقة والسدود المائية، وحشد البنايات والمجمَّعات السكنية الضخمة والمراكز التجارية والمشاريع الكبيرة التي تنفذ… صُوَر ومشاهد ترصدها العين طوال طريقنا إلى «بوسان» تؤكد تقدُّم وازدهار وحداثة هذه الدولة التي تشهد نهضة عمرانية وصناعية وعلمية تُسهم بقوة في الحضارة الإنسانية والثورات العلمية. غزارة الأنهار والجداول المائية المنسابة والبحيرات، والمزارع الممتدة لعشرات الكيلومترات هي الأخرى قِطاع مهمٌّ في كوريا الجنوبية تنتظر فقط مغادرة الشتاء قبل بدء مرحلة الحرث والغرس والحصاد استعدادا لموسم زراعي خصب. المدن التي يتوقف القطار في محطاتها الرئيسية، لا تقل عن سيئول في تمدنها وحداثتها وجمالها الأخاذ، الأبراج الشاهقة والأحياء السكنية الحديثة والتخطيط البارع تعبِّر بدقة عن ذلك. سلسلة الجبال الشاهقة التي تحيط بالمدن والقرى الكورية وتتمدد إلى البراري والسهوب والأراضي المنبسطة، تعلن عن أن كوريا الجنوبية دولة تحتل الجبال والتلال نسبة كبيرة من جغرافيتها، حوالي «الثلثين من مساحة البلاد»، وتذكرني باستمرار بوطني عُمان، خصوصًا أنها جبال جرداء نجح الشتاء القارص في خلع لباس الخضرة عنها لبرهة من الزمن. تمتلك «بوسان» كذلك ميناءً بحريًّا مُهمًّا يستوعب ما يزيد عن «ثمانين سفينة في وقت واحد»، ويستقبل «ملايين الأطنان من البضائع سنويًّا، وتضم «مدافن هيئة الأمم المتحدة» الخاصة «بقبور المحاربين بالقوات العسكرية الدولية من دول الحلفاء في الحرب الكورية» إبان الفترة من ١٩٥٠ وحتى ١٩٥٣م، وهي من معالم الجذب ومقصد سياحي بارز في «بوسان». فخامة المباني، فتنة التصاميم المعمارية وتنوُّع مظاهرها وأشكالها، الصيانة المتواصلة والتجديدات الابتكارية التي تخضع لها الأبنية القديمة من أجل تكامل الصورة في شموليتها والتناسق لإضفاء المزيد من الجمال والشعور بالراحة والاسترخاء والانجذاب للمدينة ملمح آخر من جماليات اللوحة الفنية لـ»بوسان». الحافلة السياحية تقصد في طريقها جملة من المحطات والمعالم السياحية، وتسلم المهمة لحافلة أخرى في نهاية مطافها المقرر، تعرف المناطق التابعة لكل حافلة وفقا للألوان المحددة، الأحمر والأزرق والأخضر والأصفر… موضحة بالتفصيل في دليل السائح، ولا غنى عنه للاستدلال على الحافلات والمحطات والوجهات والمواقع السياحية التي يرغب السائح في النزول إليها. تأخذ الحافلات السياحية ركابها إلى المتاحف ومراكز الفنون والمعابد البوذية القديمة، كمعبد «هايدونج» الذي يقع في موقع خلاب على شاطئ البحر، وقرية «جامشيون» الثقافية التي تمتاز بمبانيها القديمة وألوانها الجذابة ولوحاتها الفنية التي تعبِّر عن الإبداع وعراقة الفن في كوريا الجنوبية، ومدينة الملاهي «لوت» ومقبرة الأمم المتحدة، وأهم الشواطئ والأسواق والشوارع والحدائق والمعالم والصروح القديمة والحديثة التي تقدم المدينة كواحدة من أهم مدن كوريا الجنوبية. ولم نفوِّت فرصة التطواف بين أهمِّها، وفقًا للأولوية وما يستهوينا منها، إذ يصعب حصرها وزيارتها في بضعة أيام محدودة. الحدائق الغنَّاء، والانتقاء البارع للتشجير، والمماشي المعبأة بأساليب وأشكال وألوان مشرقة وأخَّاذة، الشواطئ الخلابة وصفحة البحر الزرقاء الصافية التي تعانق زرقة السماء، ولسان الرائي يصف جمالًا يحتضن جمالًا، الجسور متقنة التصميم والصنع التي تربط بين الشواطئ، سلسلة المقاهي الحديثة والمطاعم التي تنتمي نكهاتها ومذاقاتها لأعراق ودول وأمم… جميعها تقدم بوسان كمدينة من الطراز الفريد التي تجذب السائح وتوفر له وسائل الراحة والاستجمام والإدهاش ووفرة من المعلومات المفيدة، ومؤشر على قوَّة الاقتصاد ونموِّه وازدهار أنشطته. فيما تظهر البنايات والأحياء السكنية الراقية أشبه بالهرم، وهي تتدرج من قمم الجبال إلى الأراضي المنبسطة، وتوجد في سوق الأسماك الرئيسي في «بوسان» شتَّى الأنواع والأشكال والأحجام، تحفظ حية في أحواض مناسبة، ويختار المستهلك النوعية والكمية التي يريدها، وهذه ميزة تضمن للأسماك أن تظل طازجة لأيام وأكثر دون أن تتعرض للتلف والضياع، فيما استثمر الطابق الثاني من السوق كمطاعم تحضر لزبائنها ما يشتهون من الأسماك التي يختارونها بأنفسهم من الصيادين. علامة «لوت» التجارية التي تتصدر المشهد في كوريا الجنوبية بإعلاناتها وعلامتها المنتشرة في المباني الفخمة والفنادق والمصارف والمراكز التجارية… ولدت لديَّ الفضول للبحث عن قصة وولادة ومسيرة هذه المجموعة المهيمنة على السوق، فأهدتني «ويكيبيديا» المعلومات التالية عنها «شركة لوت الكورية، متعددة الجنسيات بدأ تاريخ انطلاقتها في ٢٨ يونيو ١٩٤٨م، على يد رجل الأعمال الكوري «شين كوك هو»، في طوكيو، فقرر بعدها بسنوات توسيع «لوت» إلى بلد أسلافه كوريا الجنوبية، فبدأ بنشاط تصنيع وبيع الحلويات وذلك في ١٣ أبريل ١٩٦٧م، ونمت الشركة لتصبح اليوم خامس أكبر تكتل تجاري في كوريا الجنوبية تعمل وتستثمر في أكثر من ٩٠ نشاطا، تشمل الفندقة وتجارة التجزئة والخدمات المالية والبناء والإلكترونيات وغيرها الكثير، فكل طموح خلفه إرادة وقوة تصميم وإيمان بالقدرات الذاتية وتوفر الفرص… فلا غرو أن يحقق النجاحات والأهداف.
سعود بن علي الحارثي
Saud2002h@hotmail.com