مجزرة أخرى تضاف إلى سجلِّ جرائم دولة الاحتلال الصهيوني ضدَّ الشَّعب الفلسطينيِّ الأعزل، وسط صمْتٍ عالميٍّ مُريب، صمْتٍ يجعل دولة الاحتلال أكثر أريحيَّة في ممارسة جرائمها الإرهابيَّة، وقمعها المتواصل ضدَّ كُلِّ ما هو فلسطينيٌّ. فمجزرة جنين الأخيرة التي سقط فيها (9) شهداء خلالها، ولا يزال الرقم قابلًا للزيادة، تجسِّد امتدادًا لعدوان وإرهاب دولة الاحتلال الإسرائيليِّ المستمرِّ بحقِّ أبناء الشَّعب الفلسطينيِّ. ومشهد انتشار عددٍ من الشهداء والإصابات في أزقَّة مخيم جنين، وصعوبة الوصول للشهداء والجرحى ومنع مركبات الإسعاف من الدخول، يُعِيد للأذهان مجازر غزَّة، وجنين الأولى، ودير ياسين، وغيرها من المجازر التي باتت عارًا على جبين البشريَّة، ومرَّت دُونَ مُحاسبةٍ جديَّة للكيان الصهيونيِّ الغاصب.
إنَّ صُوَر الدمار ونحيب الأُسَر المكلومة على أبنائها الشهداء لا يمكن تمييزها عن صُوَر المجازر الأخرى التي ارتكبت، واكتفى العالم إمَّا بالشَّجب والاستنكار، أو الصَّمْتِ المتواطئ، والحماية عَبْرَ (الفيتو)، أو الاستفزاز الأكبر وخروج بيانات تدعو (الأطراف) للهدوء، في مساواة كارثيَّة بَيْنَ الضحيَّة والجلَّاد؛ بيانات جعلت دولة الاحتلال الإسرائيليِّ التي تأتي على رأسها حكومة هي الأشدُّ تطرُّفًا وإرهابًا في التاريخ الإنسانيِّ الحديث، تقتل وتعدم ميدانيًّا وتهدم بدمٍ بارد دُونَ خشية عواقب لتلك الأفعال الإجراميَّة. لذا رغم مشاهد الدَّمار واكتشاف جثث للشهداء، بَيْنَهم امرأة مُسنَّة، وعشرات الإصابات برصاص الاحتلال، واستهداف مستشفى جنين الحكوميِّ، لا نتوقع أنْ تحرِّك المنظومة الدوليَّة ساكنًا، وتتَّجه لمحاكمة حقيقيَّة عادلة ضدَّ جرائم الحرب التي ترتكب في مُخيَّم جنين أو خارجه.
إنَّ هذا الصَّمْت العالميَّ يُواكب في بشاعته هذا العدوان الصهيونيَّ المُمنهج والمتواصل بقيادة الفاشيين الجُدد ويؤسِّس لمرحلة تحوُّل في الصراع مع الاحتلال ومشروعه الاستعماريِّ. فحكومة الاحتلال الصهيونيِّ عَبْرَ أدواته العدوانيَّة تسعى إلى خلق مناخات العنف والإرهاب، ما يتطلب معها وحدة صفٍّ فلسطينيٍّ، وظهير عربيٍّ، قادر على مجابهة هذا العدوان السَّافر بكُلِّ الطُّرق، وفي كامل الأراضي الفلسطينيَّة مُدنًا كانت أو مخيَّمات. فالصُّمود الفلسطينيُّ والإصرار على إفشال كافَّة المشاريع التصفويَّة لحقوق أبناء فلسطين التاريخيَّة، هو الطريق الوحيد لحماية تلك الحقوق، فالعالم منقسم بَيْنَ منشغل بأزماته، وبَيْنَ مَنْ يتكفَّل بحماية هذا الكيان الغاصب ومساعدته على تحقيق مخطَّطاته الإرهابيَّة والاستعماريَّة. ويبقى على المنظَّمات الحقوقيَّة والأُمميَّة التصدِّي لهذا العدوان، فقوات الاحتلال تواصل ارتكاب متوالية القتل والإعدامات ضدَّ الفلسطينيين مدفوعةً بشعور القدرة على الإفلات من العقاب. لذلك فإنَّ الأُمم المُتَّحدة وجميع المنظَّمات الحقوقيَّة الدوليَّة مطالبة بالتدخل العاجل لتوفير الحماية ووقف متوالية الدم التي يذهب ضحيَّتها الأطفال والشَّباب والنساء الفلسطينيون، وإلَّا ستكُونُ هذه المجزرة البشعة مجرَّد نسخة مكررة، وحلقة جديدة في مسلسل الإرهاب المنظَّم الذي تقوم به قوات الاحتلال بشكلٍ يوميٍّ، فدولة الاحتلال تتصرف ككيان مارق فوق القانون والقرارات والمواثيق الدوليَّة؛ بسبب عجز المُجتمع الدوليِّ عن اتِّخاذ أيِّ إجراءات عمليَّة لكبح جماح حكومة الاحتلال الفاشية عن الاستمرار في جرائمها، وعدم العمل على محاكمة تلك الحكومة، وقادة جيشها وجنودها، وتقديمهم للعدالة الدوليَّة كمُجرمي حرب.