لم تكتفِ دولة الاحتلال الإسرائيلي بما ترتكبه من جرائم إرهابية ستظل وصمة عار على جبين البشرية في عصرنا الحديث، فلم يكفها الدماء الفلسطينية التي سالت، ولا المنازل التي تهدمت، ولا هجمات الاعتقال والأسر، ولا سرقة الأراضي والمياه الفلسطينية، ولا غير ذلك من جرائم، بل تخطت كافة الحدود وسعت لسرقة المزيد من التاريخ الفلسطيني، حيث أقدمت قوات الاحتلال الإسرائيلي، على سرقة قطع أثرية من بلدة سبسطية شمال غرب نابلس بالضفة الغربية المحتلة، صحيح أن الدماء الفلسطينية التي سالت وتسيل بشكلٍ يومي منذ تولِّي أشد الحكومات تطرفا في تاريخ هذا الكيان الصهيوني، تشكِّل أعلى درجات التصعيد والخطر الأكبر، فحرمة الدماء موجودة وتنص عليها كافة الأعراف والتقاليد والقوانين الوضعية والأديان السماوية. لكن يظل سرقة القطع الأثرية والتاريخية إحدى الأدوات التي تسعى عن طريقها هذه الدولة المارقة، لترسيخ مزاعمها، إما عن طريق الادعاء بأن تلك الآثار تخصُّ فترة الوجود في الأراضي الفلسطينية، أو طمس تلك الآثار والمعالم، التي تؤكد أن دولة فلسطين التاريخية ممتدة في التاريخ، وأن الشعب الفلسطيني هو الصاحب الأصيل لهذه الأرض، وتظل آثاره الباقية خير شاهد على هذا الحق، وهو حق يضعضع المزاعم والأكاذيب الصهيونية التي تسوقها في العالم أجمع لسرقة الأراضي الفلسطينية، وإنهاء الوجود التاريخي لأبناء فلسطين في أرضهم، عبر ما تعرفونه ويعرفه العالم أجمع ويدركه أصحاب الضمائر الحية من طرق وأساليب غاية في الخسة. إن حادثة سرقة الآثار الفلسطينية في نابلس هي جزء من الأحجية التي تستخدمها دولة الاحتلال لسرقة المزيد من الأراضي الفلسطينية، أحجية تعتمد على القمع والإرهاب كأداة رئيسية، سواء الذي يتم عبر جنود جيش الاحتلال، أو ما تقوم به قطعان المستوطنين المسلحة، من إرهاب متصاعد ضد الفلسطينيين، وأرضهم ومنازلهم وممتلكاتهم، بغطاء أمني وسياسي من حكومة دولة الاحتلال، أو ما يتم عبر قضاء الكيان من قرارات هدم واستيلاء على المنازل والعقارات الفلسطينية، خصوصا في القدس المحتلة ومحيطها، كلها أدوات لتحقيق نفس الغاية، ولتعظيم المكاسب الصهيونية، وتغير الواقع والوقائع على الأرض بشكلٍ يستحيل بعده الحديث عن قيام دولة فلسطينية ذات سيادة، متصلة جغرافيا. ولعل أشد ما يؤرق الكيان الصهيوني برغم ما يفعله من أفاعيل إرهابية، وما يتمتع به من حماية دولية، إما بالتواطؤ ومساواة الضحية بالجلاد، أو بالصمت والتجاهل لجرائمه، أو بقلة حيلة المؤسسات الدولية المكبلة بـ(الفيتو) وإخوته لعدم محاسبة هذا الكيان الصهيوني الغاصب، هو صمود ونضال أبناء فلسطين، وإصرارهم رغم ما يتعرضون له من قمع وإرهاب، على حقهم التاريخي في أرضهم المسلوبة. فالشعب الفلسطيني الأعزل يسطر ملاحم نضالية تعوق المخططات الصهيونية، فدولة الاحتلال، منذ إعلان قيامها، وهي تسعى لنموذج أشبه بالهنود الحمر في أميركا، نموذج يتحلل ذاتيا مع تنامي القمع واشتداد الإرهاب، ويصبح أقلية لا تملك حقوقا في أرضها التاريخية، ولا حتى لديها القدرة على مواطنة حقيقية.



إبراهيم بدوي
[email protected]