مع ما نلاحظه، ونتابعه في مجتمعنا من زيادة حالات الطلاق أو الانفصال الزوجي، والذي حقيقة يحتاج إلى متابعة مستفيضة ودراسات متعددة من كافة الجهات المعنية للوقوف على هذه الظاهرة المقلقة، خصوصًا وأن الأُسرة المتماسكة هي أساس المجتمع المستقر. ولكن أجد نفسي هنا أنظر للموضوع من باب آخر أيضًا، وهو فترة ما بعد الانفصال ولماذا يأخذ بعض الناس الانفصال أصعب من الآخرين؟
وواقعيًّا هذا سؤال غالبًا ما يُصيب الناس بعد انفصال مؤلم: ما الخطأ الذي حدث؟ بل وأثناء انشغالهم على اكتشاف الإجابة، ينشئ الأشخاص عادة قصصًا عن علاقته التي مرَّ بها، ويقوم الزوجان ربما بتحليل الأحداث التي أدَّت إلى الانفصال ويستخدمونها لبناء سرد متماسك. في بعض الحالات، يمكن أن يكون هذا النوع من سرد القصص إيجابيًّا، حيث يساعد الناس على فهم الأشياء المؤلمة التي تحدث لهم والتعامل معها. في أوقات أخرى، على الرغم من ذلك، يمكن أن تكون عملية سرد القصص سلبية، مما يؤدي إلى تفاقم الألم بدلًا من تخفيفه.
وربما السؤال الآخر والذي أطرحه بعد ذلك، لماذا تطارد أشباح الماضي ـ الزوجان ـ البعض من الناس، بينما يبدو أن آخرين ينتقلون من العلاقات الفاشلة بأقل قدر من الصعوبة؟! وهنا ـ وبلا شك وبعد الانفصال ـ قد يكون من المفيد للأشخاص التفكير فيما تعلموه من العلاقة الزوجية السابقة، وما يريدون تحسينه في العلاقة الزوجية التالية. الأهم أنه عندما تنتهي العلاقة، يمكن أن يؤدي فقدان الشريك ـ إلى حدٍّ ما ـ إلى فقدان الذات، والكثير من الألم العاطفي، خصوصًا إذا كانت العلاقة الزوجية قبل الانفصال متماسكة، وتراه بعد الطلاق يصبح عبئًا نفسيًّا أثقل وأكثر إيلامًا. ومع ذلك رأت مجموعة أخرى من الناس أن بعض الزيجات لا يمكن إصلاحها، ولكن أيضًا الطلاق يصبح أكثر تعقيدًا عندما يتعلق الأمر بأطفال الزوجين.
فالأطفال من جميع الأعمار حسَّاسون تجاه طلاق الوالدين، ويتم التعبير عن ردود أفعالهم بطُرق تتفق مع مرحلة نموِّهم. علاوة على ذلك، الأطفال حسَّاسون لجميع النزاعات الأبوية، بما في ذلك العداء المهذب المكبوت. وبالتالي، فإن معضلة الوالدين ليست توقيت الطلاق، ولكن في كيفية حل الخلاف مع الشريك، سواء بقيا معًا أو انفصلا.
ختامًا، بالنسبة لغالبية الأُسر، فإن الانفصال والطلاق يثيران أزمات وزعزعة للاستقرار الأُسري. ومع ذلك، تظهر الأبحاث أنه بعد فترة أولية من الضيق، يتمكن معظم البالغين والأطفال من التكيف بفعالية مع الوضع الأُسري الجديد. ولكن هنا أنصح من تفاقمت التحدِّيات الأُسرية معهم التريث، والحديث مثلًا مع اختصاصي أُسري لدعم الأُسرة، خصوصًا وأن هنالك اهتمامًا من بعض الآباء بكيفية تأثير الطلاق على أطفالهم وتطوير علاقة الأبوَّة والأمومة المشتركة غير الاحتجاجية، والحفاظ على علاقة جيِّدة بين الوالدين والتي ستساعد أطفالهم على التكيف.




د. يوسف بن علي الملَّا
طبيب ـ مبتكر وكاتب طبي
[email protected]