تدخل جريدة (الوطن) عامها الثالث والخمسين، وهي ترفل في ثوب قشيب، بعد التطوير الذي طرأ عليها في الشكل والمضمون، بقطعها الجديد الذي يلبِّي احتياجات القارئ، من حيث الحجم وارتفاع السطور والإخراج الصحفي وشكل الحرف المستخدم في الكتابة، بعد تحوُّل جميع صفحات الجريدة لاستخدام الأوراق المصقولة (الجلوسي)، في مسعاها لتقديم خدمة صحفية وإعلانية أفضل تحسن الإضاءة وفصل الألوان، وتواكب التطورات الحادثة في عالم الصحافة والطباعة. تحتفل «الوطن» بعيدها وهي تزهو بريادتها للصحافة العُمانية، حيث كانت أول صحيفة تصدر بشكل منتظم في عُمان، تزامنا مع انطلاق النهضة العُمانية التي قادها طيب الذكر المغفور له جلالة السُّلطان قابوس ـ طيَّب الله ثراه ـ. انحازت «الوطن» على مدار تاريخها لقضايا الوطن وهموم المواطن، وكانت بمثابة الذراع الإعلامية لمسيرة النهضة، جابت ربوع عُمان تغطي الإنجازات المتلاحقة، وتنقل نبض المواطنين وتفاعلهم مع القيادة من أجل اكتمال البناء، رافعة شعار المصداقية وأمانة الطرح والبحث عن الحقيقة، ونأت بقرائها عن الإثارة وجنبتهم الشائعات والفتن، وعملت على تمتين الانتماء للوطن وتقوية اللحمة الوطنية.
كما كانت صوت عُمان إلى الوطن العربي، فسخرت صفحاتها لنصرة القضية الفلسطينية، قضية العرب المركزية، ودعمت صمود الشعب الفلسطيني، من خلال إفراد صفحاتها لنشر التقارير والأخبار، وفسح المجال للكتاب الفلسطينيين والعرب في صفحات الآراء لفضح جرائم الاحتلال وتمجيد المقاومة الفلسطينية، وأعطت قدرا كبيرا من الاهتمام لسائر القضايا العربية والدولية عبر صفحاتها وخدماتها الصحفية.
اختارت «الوطن» طريق التطوير والتحديث، رغم الظروف الصعبة التي تحيط بمهنة الصحافة الورقية، ليس على المستوى المحلي فحسب، بل في سائر العالم، جراء التضخم وزيادة تكاليف التشغيل، في الوقت الذي تراجع فيه توزيع الصحف، وتدنت حصيلة الإعلانات، بعد لجوء كثير من المعلنين لمواقع التواصل الاجتماعي على شبكة الإنترنت للإعلان عن سلعهم بديلا عن الصحف الورقية. تواصل «الوطن» مسيرتها وتطورها، وهي قابضة على الجمر، وسط أوضاع اقتصادية عالمية مضطربة ألقت بظلالها على الجميع، منذ ظهور جائحة كورونا وما أعقبها من نشوب الأزمة في أوكرانيا، التي أثرت على حركة الشحن وانتظام سلاسل الإمداد والتوريد، وأشعلت أسعار أوراق الطباعة والأحبار؛ المستورد جزء كبير منها من روسيا وأوكرانيا.
تواصل «الوطن» مسيرتها، مصرة على القيام برسالتها تجاه القارئ، رغم تكبد القائمين عليها خسائر فادحة، فرغم محاولتهم البحث عن حلول للصمود والاستمرار في الصدور، بدءا من إعادة الهيكلة والإجراءات المؤلمة التي تم اتخاذها لخفض التكلفة وضغط النفقات، ظلت الإيرادات عاجزة عن تغطية ولو جزءا يسيرا من متطلبات إصدار صحيفة يومية، تتكبد تكلفة طباعة وفواتير كهرباء وغاز ومياه، وأجور ومرتبات، ومصاريف تشغيل، وأصبح الوضع يحتاج إلى دعم وتدخل حكومي، لتتمكن الصحف من الاستمرار وأداء رسالتها، وتبعد عن كاهلها شبح التوقف والإغلاق. أستغرب موقف البنوك وشركات الاتصالات، التي أعطت ظهرها للصحف الورقية، واكتفت بالنزر اليسير من إعلاناتها للصحف، ووجهت الجزء الأكبر من ميزانية الإعلانات لمواقع التواصل الاجتماعي، متناسية دورها الوطني والاجتماعي، في دعم وسائل الإعلام الرصينة، التي تتمتع بالمصداقية وتقدم خدمة صحفية تنويرية ـ ما زال المجتمع في حاجة إليها ـ لرفع الوعي ونبذ التعصب ومكافحة الخرافة والإشاعات، التي نشرتها مواقع التواصل الاجتماعي، والذي أدى تغولها إلى زيادة العنف وانتشار الجريمة، وضعف الوازع الديني والأخلاقي والتفكك الأسري، والانكفاء على الذات وظهور الاكتئاب والأمراض النفسية بين المراهقين والشباب.



محمد عبد الصادق
[email protected]
كاتب صحفي مصري