يحرص مُجدِّد نهضتنا المباركة وقائدنا المفدَّى حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ على تحقيق الاستقرار والأمان للشعب الوفي.. فوضع نصب عينيه ضرورة إرساء العدل والحقِّ والمساواة في البلاد، وسعى لأن يفي كل شخص حقَّه غير منقوص.. ولقد لمسنا الكثير من القرارات السامية التي تبرهن على مدى الشفافية والنزاهة التي تتعامل بها مؤسسات الدولة المختلفة في العديد من القضايا والأمور التي تهم المجتمع العُماني. والقرار الذي أصدرته وزارة العدل الخاص بقياس «كفاية الأداء الوظيفي، حيث تسري أحكام هذا النظام على جميع موظفي وحدات الجهاز الإداري للدولة «المدنية» وغيرها من الأشخاص الاعتبارية العامة الموجودين في الخدمة لمدة تزيد على 6 أشهر».. هذا القرار خطوة جديدة في طريق تطوير الهيكل الإداري للدولة.. فمتابعة الأداء الوظيفي سيساعد المسؤولين على مواجهة التحدِّيات التي تقف حجر عثرة في طريق تطور المؤسسة المعنية ويُسهم في الارتقاء بقدرات الموظفين وأدائهم بما يدفع المسيرة التنموية للأمام بالصورة التي تصل بالبلاد إلى بر الأمان والتقدم. شيء جميل أن يحدد الإنسان هدفه ويعرف كيف يحققه.. فكل وحدة في دائرة العمل ستضع أهدافا نصب عينيها، وعلى الموظف أن يعمل على تحقيق هذه الأهداف ووفقا لنتائجه سيتم تقييمه، ثم تحديد الحوافز والمكافآت التي يستحقها على ما قدَّمه من جهود في عمله. لا شك أن قياس كفاية الأداء الوظيفي سيمنح الفرصة للموظف للتعرف على نقاط ضعفه ويمنحه الفرصة أيضا ليحسن أداءه الوظيفي، ويطور من مهاراته وإمكانياته حتى ينال الدرجة الكاملة.. وبالتالي فإن القرار الوزاري برهان جديد على حرص قائدنا المفدَّى ـ أبقاه الله ـ لتحقيق التنمية البشرية واستخراج ما يمتلكه المواطن العُماني من قدرات مبدعة تُسهم في تقدُّم البلاد ونهضتها.. فجلالته ـ حفظه الله ورعاه ـ عدَّ أن الثروة الحقيقية لأي أمَّة هي الثروة البشرية، وأن نهضة الوطن تعتمد على مقدار ما يمتلكه الشعب من مهارة وعلم ومعرفة تؤهله لمواكبة التطورات المتسارعة واللحاق بركب التقدم والحداثة، لذلك كان الاهتمام بالعنصر البشري من أولى أولويات النهضة المباركة.. وتقييم أداء الموظف يُسهم في الارتقاء بقدراته، وهو ما يصبُّ في النهاية في الارتقاء على كافة المستويات الاقتصادي والاجتماعي والتعليمي والصحي والسلوكي والخدمي وغيرها، وهو ما يؤدي إلى استقرار ورقي للمجتمع ككل. الخوف كل الخوف من ترك تقييم الأداء في يد مسؤول واحد قد تكون بينه وبين الموظف مواقف شخصية أو تحفظات فردية مما قد تؤثر على تقريره وتقديره لهذا الموظف.. صحيح أن باب التظلمات مفتوح أمام الموظف، ولكن صوت المسؤول دائما أعلى، لذلك نتمنى أن يكون تقييم الموظف بيد لجنة بها أكثر من شخص حتى تتحقق العدالة بكامل هيئتها. إن قيادتنا الحكيمة تثبت يوما بعد يوم أنها حريصة على إرساء مبادئ العدالة والحقِّ في البلاد.. وكافة القوانين التي تصدر بين الحين والآخر تبرهن على أن الإصلاح في الهيكل الإداري للدولة يجري على قدم وساق من أجل تحقيق التنمية المنشودة.. والجهود المبذولة من قيادتنا الحكيمة تعكس عمق نظرة جلالته السامية في اللحاق بركب التنمية التي تشهدها البلاد بصورة متسارعة، كما أنها من باب تحقيق الاستقرار للمجتمع والحفاظ على هيبة الدولة ومواردها وصون منجزاتها، وهذا نهج أصيل وقديم ويرافق نهضتنا المباركة منذ نشأتها والشواهد التي تحملها كتب التاريخ على ذلك كثيرة.. فتطبيق العدالة ليس أمرا اختياريا، بل هو ضرورة من ضرورات تحقيق التنمية المستدامة وقاعدة أساسية من قواعدها.
لا شك أن كل موظف يشعر بالارتياح لقرار وزارة العدل الجديد؛ لأنه يعلم أن حقوقه ومنجزاته مصانة ومشهود عليها وندعو الله أن يعمل هذا القرار على تنمية القطاع الوظيفي ويُسهم بشكلٍ فعال في نهضة الوطن.. حفظ الله البلاد وجعلها آمنة مطمئنة.
**********
العملية البطولية التي نفَّذها الشهيد الفلسطيني خيري علقم ما هي إلا رد فعل طبيعي نابع من الغضب الشعبي على ما ارتكبته قوات الاحتلال الإسرائيلي في مخيم جنين للاجئين قبلها بساعات حينما اعتدت بكل وحشية وهمجية على المدنيين العزَّل بالقصف المدفعي والصاروخي والرصاص العابر للجدران.. فهذا الشاب ذو الـ21 ربيعا لم يتحمل الصلف الإسرائيلي والعنف والظلم فعبَّر بطريقته عن رفضه للاحتلال الغاشم وانتهاكاته المتواصلة. إن الحملات المسعورة التي يطلقها الاحتلال الإسرائيلي كل فترة وجيزة وأخرى على الفلسطينيين في كافة الأراضي المحتلة لم تعد تحتمل السكوت.. فهو لا يرحم ويقوم بشن هجماته برًّا وبحرًا وجوًّا، وهو ما يدل على إصابته بالجنون والوحشية، وأن البغض والكراهية والعنصرية تسري فيه مسرى الدم.. فلم يعد يخفى على أحد ما تقوم به قوات الاحتلال من اعتداءات متواصلة على الشعب الفلسطيني الأعزل وتحصد القتلى والجرحى من الأبرياء والأطفال بصورة يومية وتحطم البنى التحتية، وبالرغم من ذلك فإنها تشتكي أن الفلسطينيين من يقومون بمهاجمة دولة الاحتلال الإسرائيلي، وأنهم إرهابيون ودعاة للموت لا يعرفون ماذا تعني الإنسانية، وهو ما يضطرها للرد وشن العمليات العسكرية الواحدة تلو الأخرى لتضلل بذلك العالم وتقلب الصورة رأسا على عقب ويتحول الضحية لجان والعكس صحيح. والغريب أن كل هذه الانتهاكات تحدث على مرأى ومسمع من العالم أجمع ويظل الصمت المطبق هو سيد الموقف.. بل إن المجتمع الدولي يَعد العدوان الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية برمَّتها دفاعا عن النفس، فلماذا لم يَعد هذا المجتمع الذي يكيل بمكيالين أن ما يقوم به الفلسطينيون كذلك دفاعا عن النفس أيضا في ظل ما يعانونه من ظلم تحت نير الاحتلال والذي يغض المجتمع الدولي عنه الطرف؟
على «إسرائيل» أن تعلم أنها إذا استمرت في انتهاكاتها فإن هذا سيؤدي إلى انتفاضة جديدة يقوم بها الفلسطينيون في كافة أرجاء الأرض المحتلة بحيث تكون ناجمة من قرار شعبي جماعي لا يتعلق بهذا الفصيل أو ذاك عسى أن ينتفض معهم ضمير العالم، فيرغم «إسرائيل» على الكف عن انتهاكاتها والالتزام بالشرعية الدولية وحل الدولتين الذي طال انتظاره. إن القضية الفلسطينية لم تعد تحتمل المهاترات، وآن الأوان للبحث عن حل سريع يخلص الشعب الفلسطيني من الاحتلال الجاثم على صدره الذي يذيقه أسوأ أنواع القمع والاستبداد والعذاب والقتل والتشريد والتهجير.. وعلى الأمَّتين العربية والإسلامية اتخاذ موقف حازم يعدل كفة ميزان القوة الذي يميل للجانب الإسرائيلي بشدة والموقف هنا لا يعني الخيار العسكري الذي لن يكون لصالحنا بالمرة ولكن بالحوار والسلام الذي يحفظ الحقوق الفلسطينية..
وإذا كانت الدول الراعية لمبادرات السلام والمفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية لم تفلح حتى الآن في إيجاد حل للقضية فلتتدخل دول ثانية وثالثة، فرعاية القضية ليست مقصورة على دول بعينها تملك الوكالة عن بقية الدول، بل على كل من يستطيع تحقيق تقدُّم فيها أن يتقدم ويبذل قصارى جهده عسى أن تفلح جهوده ويتمكن من كسر الجمود الذي يصيب القضية.

ناصر بن سالم اليحمدي
كاتب عماني