ما زلت أتذكر جيدًّا يوم كُنَّا صغارًا بعض الطقوس التي كنَّا نمارسها في جبال ظفار لتنشيط طاقاتنا من أجل تجاوز الصعاب أو الفوز في الألعاب الشعبية ككرة القريع مثلًا، أو لعبة القفز الحر، والقفز إلى الأعلى للمس العلامات المرتفعة كأغصان الأشجار أو سقف الكهوف أو البيوت. كانت تلك الطقوس تعطينا نتائج ممتازة، فتحفّز قوانا الجسدية، وتلهب حماسنا وتعزز روحنا المعنوية؛ فمثلًا إذا اجتمع مجموعة أشخاص لحمل شيء ثقيل ونقله عبر مسالك وعرة يرددون بصوت واحد، باللغة الدارجة (واحمبيه.. واحمبيه.. واحمبيه) ويضعون معها بعض الأراجيز والأهازيج التي تستجيش قوتهم في حركة متفاعلة مع ذلك الإيقاع الذي يتصاعد حماسًا من أعماقهم، وسرعان ما يسري تيار من القوة يخرج كالطوفان من أجسادهم فيخفف كل صعب ويخفض الأحمال الثقيلة وهم يرفعونها على أكتافهم، ويشبه ذلك ما يفعله المتنافسون في الألعاب الشعبية، عندما يمرغون أيديهم في التراب ثم يقبضون العصا بإحدى أيديهم ويضربون كرة القريع عندما يناولها لهم اللاعب الخصم، فتتولد عندئذٍ قوة جبارة تدفع بالكرة بعيدًا وعندها يركض اللاعب متزامنًا مع مداها، فإذا كانت عالية وسريعة فإن ذلك يكشف عن موهبة اللاعب الذي ضربها بعصاه، ويظهر تميزه وقوته وخفته في اللعبة، وكذلك لعبة القفز السريع من نقطة انطلاق تبدأ بحجارة عريضة مثبتة كمرساة مكان ما من أرضية الملعب وعلامة متحركة تقيس المسافة التي يستطيع اللاعب الذي يقفز أن يصل إليها ويستمر في توسيع المدى الذي يمكنه أن يتخطاه في كل مرة يقفز من نقطة انطلاقة (المرساة) فيأتي من مسافة بعيدة وهو يكر بقوة وخفة ممسكًا حجارتين بقبضة يديه تعطيانه دفعًا قويًّا ويرميهما خلفه لحظة انطلاقه من المرساة، ويتكرر القفز أكثر من مرة حتى يحقق اللاعب المساقة المعيارية التي يحددها الحكم لكل لاعب أو يحددها اللاعب بنفسه لاختبار سرعته وقوته ومهارته في القفز.
وتتعدى المسافة التي يتجاوزها اللاعب أحيانًا عدة أمتار، ويستمر اللاعب وسط التشجيع الذاتي وتحفيز المشجعين في زيادة المسافة التي يتجاوزها، وأتذكر جيدًا أن لكل نشاط يتطلب قوة بدنية أو ذهنية طقوسًا معينة صوتية أو حركية، وتستجيش تلك الطقوس قوة اللاعبين وتخرج طاقاتهم من حالة السكون إلى حالة الحركة والنشاط. هناك قوة إضافية خفية لدى كل إنسان، يستطيع أن يحررها ويطلقها وقت الحاجة، ولا يتطلب الأمر منشطات كيميائية أو أفعالًا خارقة، وإنما يكفي كل إنسان أن يدخل في حالة حماس ذاتي أو حماس بفعل تشجيع خارجي لكي تنطلق تلك القوة الجبارة.
ذات يومٍ كان عدد من الرماة في سباق للرمي بالبندقية، وكان جميع اللاعبين من قبيلة واحدة مقابل متنافس واحد فقط من قبيلة أخرى، وفي حركة مفاجئة لمس أحد المشجعين ذلك اللاعب بحركة خفيفة على كتفه وهو يستصرخ حماسه بلقب قبيلته، الأمر الذي مكَّنه من إصابة الهدف والفوز على منافسيه. لقد أدرك الناس عبر العصور أن الإنسان لا يحتاج أن يتناول منشطات أو عقاقير، بل يستطيع أن يفجر القوة التي بداخله عندما يحتاجها وذلك بالدخول في حالة التنشيط الانفعالي بمثيرات بصرية أو سمعية أو حركية، وعندئذ يخرج المارد، يكفي أن يكون الشخص مبتهجًا ومستمتعًا ومتحمِّسًا في تعامله مع المواقف والتحديات وسوف يرى النتائج المشجعة. وإذا لم تجد مثيرًا يحفزك يمكنك أن تبحث في خيالك وفي ذكرياته السابقة عن موقف أو مثير يقدح الحماس الذي بداخلك.


د. أحمد بن علي المعشني
رئيس أكاديمية النجاح للتنمية البشرية