يُعدُّ البحثُ العلميُّ في مختلف جوانب العلوم بوَّابة رئيسة لتحقيق التنمية بكافَّة أشكالها وصُوَرها، ولصناعة مستقبل أفضل، حيث تكسبنا الدراسات والبحوث العلميَّة القائمة على أُسُس بحثيَّة علميَّة قدرة على مواجهة التحدِّيات الصحيَّة والاجتماعيَّة والاقتصاديَّة والبيئيَّة..إلخ. فالمُجتمعات التي اهتمَّت بهذا الجانب تمكَّنت إلى حدٍّ كبير من فهم ومعالجة التحدِّيات التي كانت تواجهها، واستطاعت تحقيق مركز رياديٍّ بَيْنَ الدوَل المتقدِّمة، فالبحث العلميُّ أضحى الأداة الرئيسة التي تُمكِّنَّا من مواجهة تحدِّيات جمَّة مِثل تغيُّر المناخ والأمراض والأوبئة والأمن الغذائيِّ والمائيِّ، كما نستطيع من خلاله تطوير تقنيات وأساليب جديدة تحسِّن حياتنا وتُوجِد فرصًا جديدة في مختلف المجالات، خصوصًا في مجالات تطوير الذكاء الاصطناعي، والبحث عن مصادر جديدة للطاقة أكثر استدامة.
وتمتلك سلطنة عُمان رؤية واضحة المعالم في تطوير منظومة البحث العلميِّ، وتسعى عَبْرَ رؤيتها الوطنيَّة الطموحة 2040 إلى أنْ تكُونَ دولة رائدة في مجال الابتكار والثورة المعرفيَّة، حيث تمَّ تمويل (349) مقترحًا بحثيًّا ضِمْنَ برنامج دعم البحوث (المؤسسيِّ والمبنيِّ على الكفاءة) العام الماضي فقط، وبهدف بناء السّعة البحثيَّة المحليَّة، وتوفير بيئة بحثيَّة مُحفِّزة للبحث العلميِّ والباحثين، وذلك تنفيذًا للرؤية السَّامية لحضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم ـ حفظه الله ورعاه ـ والتي تؤمن بأنَّ البحث العلميَّ هو بوَّابة العبور نَحْوَ مستقبَلٍ مُشرقٍ. وبحسب مؤشِّر الابتكار العالميِّ للعام الماضي، فقد ارتفع مؤشِّر الإنفاق على البحث والتطوير (19) مرتبة، لتصبح سلطنة عُمان في المرتبة الـ(71) عالميًّا في هذا المؤشِّر مقارنةً بعام 2021 حيث كانت بالمرتبة الـ(90)، وهي قفزة كبيرة تؤشِّر أنَّ الجهود العُمانيَّة ماضية بإصرار لتحقيق أهدافها التنمويَّة التي تتَّسم بالاستدامة.
ومن هذا المنطلق وتعزيزًا لتلك الأهداف، جاءت استضافة سلطنة عُمان لأعمال الدَّورة التاسعة للمنتدى العربيِّ للبحث العلميِّ والتنمية المستدامة بعنوان «الباحثات العربيَّات لتحقيق التنمية المستدامة»، بالتعاون مع المنظَّمة العربيَّة للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو) بمشاركة أكثر من (150) باحثة عُمانيَّة عربيَّة في مختلف المجالات العلميَّة، حيث هدفَ المنتدى إلى تعزيز إسهام المؤسَّسات والهيئات والجامعات ومراكز البحث العلميِّ والباحثين والمبتكرين في القضايا التنمويَّة العربيَّة، ويُعدُّ المنتدى بما تضمَّنه من (8) جلسات و(39) ورقة عمل أرضًا خصبة تجمع الخبراء والباحثين والمختصِّين العرب والمؤسَّسات والشركات العربية بنظرائهم على الصعيدَيْنِ الإقليميِّ والدوليِّ.
إنَّ مِثل هذه المنتديات تُمثِّل فرصةً لاستقطاب العلماء والخبراء العرب داخل الوطن العربيِّ وخارجه؛ بهدف تمكينهم من المساهمة في نقْل التقنيات المتطوِّرة بالبلدان العربيَّة وتوطينها في الداخل والخارج، حيث قدَّم المشاركون في المنتدى حصيلة نتاجهم الفكريِّ والعلميِّ وحلولًا مقترحة ضِمْنَ عدَّة محاور مختلفة تلامس الأولويَّات البحثيَّة التي تحتاجها المجتمعات العربيَّة في مجالات البيئة والطاقة النظيفة والتغيُّر المناخي والمياه والصحَّة والتعليم العالي والزراعة والهندسة، كما يُعدُّ المؤتمر آليَّة من آليَّات الاستجابة للعديد من المرجعيَّات الهادفة إلى النهوض بقِطاع العِلم والبحث العلميِّ في الوطن العربيِّ، وخُصِّصت الدَّورة الحاليَّة لإلقاء الضوء على جهود الباحثات العربيَّات في تحقيق التنمية المستدامة؛ تثمينًا لدورهنَّ في تطوُّر العِلم والمعرفة وخدمة المجتمع العربيِّ.