تقع مدينة القدس المحتلة على رأس أجندة أعمال الحكومة «الإسرائيلية» الجديدة، حكومة الثيوقراط اليميني المتطرف، لجهة رفع منسوب عمليات التهويد والاستيطان على محيطها وفي قلب أحيائها العربية الإسلامية والمسيحية. وقد شهدنا خلال الأيام الأخيرة أمرين اثنين في هذا الإطار. أولهما الإصرار على إخلاء المواطنين العرب من تجمعٍ صغير اسمه (الخان الأحمر) بالجوار المحيط بمدينة القدس لغرض إقامة مشاريع استيطانية فوق أراضي الخان الأحمر لصالح اليهود، وقد تزعم الوزير (ايتمار بن جفير) الحملة على هذا التجمع باعتباره «وزيرًا للأمن القومي» وذلك بإسناد لخطواته على الأرض من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي. وثانيهما وضع اليد على مساحات كبيرة نسبيًّا من أراضي الوقف العربي المسيحي الأرثوذكسي، من خلال الضغط على الكنيسة الأرثوذكسية لشراء أو استئجار تلك المساحات، وبالطبع فإن الغرض «الإسرائيلي» من وراء وضع اليد على تلك المساحات من الوقف المسيحي، يتمثَّل بإقامة منشآت يهودية على حساب المدينة وأهلها ومواطنيها العرب من مسلمين ومسيحيين.
إن تلك المحاولات «الإسرائيلية» بشأن مدينة القدس واستمرار العمل على تهويدها يتناقض مع الشرعية الدولية وقراراتها ذات الصلة، وهناك موقف أوروبي رافض لها، كما أن هناك تحفظات أميركية تحت عنوان «ضرورة الحفاظ على الوضع القائم»، فيما يَسعى يركز «اللوبي اليهودي التقليدي» (منظمة الإيباك) في الولايات المتحدة الأميركية، إلى تهدئة أي موقف أميركي متحفظ (لاحظوا متحفظ وليس رافضًا..!!)، والادعاء من قبل (الإيباك) بأن القدس لها مكانتها بالنسبة إلى «اليهود وإسرائيل»، وأن «إسرائيل» «حليف أساسي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط وبينهما مصالح استراتيجية وحلف حيوي». وللعلم، ووفق المعطيات الرسمية، ومن أكثر المصادر صاحبة المصداقية، فإن نسبة اليهود في الولايات المتحدة الأميركية تقارب نحو 2% فقط من إجمالي سكان الولايات المتحدة، ولا يُمكن أن يُشكِّل من يوصفون بالمسيحيين الصهيونيين، في أحسن الأحوال، أكثر من 20%. وتؤكد هاتان النسبتان، مع قراءة تاريخية للسياسات الأميركية في مسألة «القدس وإسرائيل» أنَّ «العامل الديني لم يكن حاسمًا في إطار العلاقات «الإسرائيلية» الأميركية، بل مصالح الولايات المتحدة أولًا في وجود «إسرائيل» ذاتها في قلب وصدر العالم القديم. وبالمقابل، فإنَّ هناك جماعات ولو كانت محدودة الفعل والتأثير في منظمة الـ»الإيباك»، مثل جماعة «جي ستريت»، تساند «حل الدولتين» ويتبنَّى عدد متزايد (ولو بوتيرة بطيئة) من اليهود الأميركيين وجهة النظر هذه مع مرور الوقت باعتباره المسار الوحيد للتسوية على أرض فلسطين التاريخية. علمًا أن المجموعات والاتجاه الأوسع من الـ»الإيباك» يرفض أي نقد لسياسات «إسرائيل»، وينشط في مجال الترويج لما يسميه «القلق الإسرائيلي» من الفلسطينيين وإيران، وأبرز دعاة هذا الاتجاه الملياردير اليهودي شيلدون أديلسون، الذي يوظف المال السياسي. حين يدعو دومًا لتأمين الدعم لـ»إسرائيل» داخل الولايات المتحدة، وتوفير شبكة من وسائل الإعلام والدعم المالي لها. وكان من الشخصيات التي لعبت دورًا كبيرًا في قرار الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بالاعتراف بمدينة القدس عاصمة لـ»إسرائيل» ونقل سفارة الولايات المتحدة إليها.إن الشعب العربي الفلسطيني صامد على أرض مدينة القدس، ويرابط في الأقصى وساحاته، المسلم إلى جانب أخيه المسيحي، وبالتالي لا يُمكن تهويد المدينة في ظل ثبات الفلسطينيين وبقائهم على أرضها، وهو ما يتطلب دعمًا عربيًّا وإسلاميًّا ومن كل الحلفاء والأصدقاء وقوى السلام والحرية لدعم المقدسيين وعموم الشعب الفلسطيني في صموده وثباته.



علي بدوان
كاتب فلسطيني
عضو اتحاد الكتاب العرب
دمشق ـ اليرموك
[email protected]