بقدر أهمية العملية الإحصائية في الجانب الاقتصادي، تظل ضرورتها محطَّ تأثير في معرفة النتائج المتوخاة للاطمئنان عليها من أن كل شيء يسير بالاتجاه الصحيح، أو أن الأمر يحتاج إلى مراجعة تقتضي المعالجة، لذلك لا غنى للعملية التنموية بنسختها المستدامة عن الإحصاء للبناء على معلوماته إنصافًا للتقييم المستخلص من التقييس والسيطرة النوعية. ومن هنا أيضًا، أصبحت المعرفة فيه أحد العلوم الميدانية المتقدمة لقياس الانضباط الإنتاجي، أو الفجوة بين الطرفين، خطة العمل المرسومة المقدرة، والحصيلة التنفيذية لها على الأرض.
الحال، هناك ثلاث آليات لتنفيذ الإجراءات الإحصائية وإعداد البيانات التوضيحية، الأولى، تقوم على إحصاءات جزئية لتجتمع النتائج في النهاية من جميع مفرداته، أما الالية الثانية، فإتمام العملية بعد ظهور جميع النتائج، في حين تكون الالية الثالثة قائمة على المزج بين الأولى والثانية حسب نوعية الخطة المنفذة. وبقدر تعلق الأمر بالمنهج الإحصائي المنسجم مع ضرورات التطور الاقتصادي، تظل المواظبة عليه مفتاح حوكمة العملية التنموية بجميع مفاصلها. لذا يتطلب الميدان منظومة إحصائية شاملة تستطيع أن تغطي كل المفاصل امتدادًا من ميزانية المواطن الفرد إلى ميزانية الأسرة وصولًا إلى ميزانية الدولة، بل هناك من يدعو إلى اعتماد منهج إحصائي للدولة الواحدة دون أن يسقط من الاعتبار نتائج المسح الإحصائي على الصعيدين الإقليمي والدولي؛ لكي لا تكون خارجة على طاعة الواقع الاقتصادي الدولي إلا بما يعزز دورها الإيجابي، ومن هنا برزت الحاجة إلى المقارنة في ضوء الأرقام المتداولة.
إن المؤشرات التي تصدر عن البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية، ومنظمة الشفافية الدولية والمنظمات الأخرى المعنية برصد التطورات على وفق الاختصاصات إنما تقوم على فكرة المنظور الإحصائي الصادر من هذه الجهة، أو تلك، لذلك حين تتضمن التقارير الصادرة مؤشرات عن وعود النمو، أو خيبات الأمل أو تشير إلى تشوش أو تذبذب إنما تصدر بناءً على معلومات إحصائية بعيدًا عن أي تكهن أو تقدير.
لقد تزايدت في السنوات الأخيرة تعديلات في المؤشرات الخاصة بالقراءات المستقبلية التي تعتمدها تلك المؤسسات تبعًا للنتائج المستحصلة في ضوء المتغيرات الحاصلة أيًّا كان نوعها، لذلك يقال (الإحصاءات التي تعتمد المنهج العلمي في تحليل البيانات تُمثِّل ضمانة وضوح للعمل في أي مجال كان).
هناك الآن منظومات واسعة في العالم تقوم على فكرة هذه الحوكمة الإحصائية. لكن المخاطر في تقدير الموقف تكمن في الإحصاءات المزيفة التي تصدر عبر شبكات الإنترنت أو من خلال مصادر معلومة مشكوك في مصداقيتها ويتم البناء على ما ورد في هذه المعلومات بغير وجه حق، وعندها يحصل التشويش وتتخذ المنافسة طريقًا للنصب والاحتيال، ومن هنا لجأ المجتمع الدولي إلى إقامة المحاكم ذات الطبيعة القانونية الاقتصادية.
إن تقارير إحصائية مشبوهة يمكن أن تخلق المزيد من المشاكل، وعليه لا يجب البناء على إحصاءات إلا من جهات معروفة وتمتلك هامشًا من المصداقية المجربة. وتحضرني هنا مقولة لأحد الخبراء الذي قال بالحرف الواحد (الجهات التي تكثر اعتذاراتها تتلاشى مصداقيتها).
بالمجمل، ينبغي الحذر من المعلومات الإحصائية الموظفة لصالح مؤسسات تعمل على دورات ربحية مجردة من أية أهداف تنموية تتوخى التطوير المغذِّي للبُعد الإنساني الأخلاقي، لهذا السبب تزايدت الحاجة إلى معارف العلاقات العامة من أجل المتابعة والكشف الذي لا بُدَّ أن يعين الجهات المتضررة من المعلومات الإحصائية المزيفة على المسارعة إلى تكذيب ما ورد خلافًا للحقيقة وليس السكوت عليه. وهكذا أصبحت إدارة العمليات الإحصائية على درجة من الأهمية لكل مؤسسة ذات طبيعة إنتاجية، زراعية كانت، أو صناعية، أو خدمية وضمن فروع العمل كافة، فهي تحمل دلالتها معها من النضج، لذلك تتطلب قراءة تلك النتائج المزيد من الوعي المعرفي المنخرط في فهم علم الدلالة والسياقات الضامنة للفحص الدقيق والاستيعاب.



عادل سعد
كاتب عراقي
[email protected]