أعلنت إسرائيل عن اتخاذ إجراءات جديدة منها تراخيص السلاح للمستوطنين بسبب العملية الفلسطينية التي قام بها شاب فلسطيني ليلة السبت، في الثامنة من مساء الجمعة الماضي. وهاجم كنيسا يهوديا في الحي الاستيطاني اليهودي، (النبي يعقوب)، في القدس الشرقية وأسفر عن مقتل 8 إسرائيليين وإصابة 10 آخرين بجراح، وذلك بعد يوم واحد من الاجتياح الإسرائيلي لمخيم جنين واستشهاد 10 فلسطينيين.
الأحد الماضي أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، خلال اجتماع لمجلس الوزراء عن مجموعة من الإجراءات ردًّا على هجوم القدس، قائلًا إنها تهدف إلى إظهار أن الإسرائيليين «هنا ليبقوا»، وقال: «أغلقنا منزل الإرهابي الذي نفذ الهجوم الشنيع في القدس، وسيتم هدم منزله. قررنا حرمان العائلات الداعمة للإرهاب من حقوق الضمان الاجتماعي، وستناقش الحكومة خطوات أخرى، من بينها سحب بطاقات الهوية وسحب الإقامة من عائلات الإرهابيين الذين يدعمون الإرهاب». وأضاف «بالتوازي مع ذلك، نقوم بتوسيع وتسريع إصدار تراخيص السلاح لآلاف المواطنين الإسرائيليين».
العمليات الإسرائيلية لا ترتبط بحدث طارئ أو بنشاط لشخص ما خلال فترة زمنية معينة، بل إن فكرة الاعتداءات على أرض فلسطين في القطاع وغزة، وتجريف القدس من أهلها أصحاب الأرض قديمة وممنهجة، ولا تنتظر أي عملية استشهادية يقوم بها فلسطيني ليقوم الرد الإسرائيلي بحرق الأخضر واليابس في طريقه. فهناك عمليات عسكرية تستهدف ضربا وقائيا استباقا لأي تحرك شعبي فلسطيني، ودائما ما يأتي المبرر الإسرائيلي للاعتداء هو البحث عن إرهابيين، وهذا ما نتج عنه اعتداء جنين، الذي أسفر عن استشهاد تسعة من الأبطال العشرة سقطوا خلال العملية العسكرية الإسرائيلية في مخيَّم جنين للاجئين الفلسطينيين، في حين سقط الشهيد العاشر في بلدة الرام قرب القدس برصاص إسرائيلي خلال مواجهات أثناء احتجاجات على العملية العسكرية التي قال عنها جيش الاحتلال الإسرائيلي إن «عملية في مخيم جنين ضد نشطاء من الجهاد الإسلامي» وهو ما تستهدفه إسرائيل لمواجهة أي انتفاضة أو رد فعل للشعب الفلسطيني، في سبيل وأد الانتفاضة الفلسطينية في الداخل، عبر استهداف قادة المقاومة وأفرادها في غزة والضفة الغربية، واستعملت أجهزة الكيان المحتل كل الطرق والسبل لتنفيذ اغتيالاتها. إن ما تقوم به إسرائيل من عمليات عسكرية أو اغتيالات لأشخاص بحجة أنهم إرهابيون لها صورة من وجهين، الوجه الأول هو السكوت العالمي والاكتفاء بالاجتماعات بين بعض العواصم لدرء ردود الأفعال مصحوبة بحالة الصمت العالمي، فالمجتمع الدولي يتناول الأخبار ويراقبها ويتعاطى معها بالهمس واللمس والآهات والنظرات، وتشعر وكأن على رؤوسهم الطير؛ رغم أن كل عوامل الإرهاب متوافرة عند الكيان المحتل، سواء باستخدام القوة، أو استهداف الأماكن المدنية، أو قتل الأبرياء، بل والأدهى من هذا أنهم يعترفون بفعلهم الإرهابي، وتكون الضحية فلسطينية لا تجد أي صوت أو فعل ينقذها من الدماء المتناثرة التي يروى بها أرض فلسطين في كل وقت وحين. أما الوجه الثاني والذي يفرض نفسه براءة، هو لفت أنظار العالم أن هناك قضية فلسطينية وأن هناك أراضي مغتصبة، وأن هناك شعبا تنتهك حقوقه وتسيل دماؤه، لا تجد من يرعاها ويصل بها إلى موقف عالمي يلتفت إلى الإجرام الممنهج لإبادة شعب واغتصاب أرض، ومحو قضية مصيرية لأمة من المحيط إلى الخليج. عملية جنين وشهداؤها العشرة هي حلقة في سلسلة الاغتيالات التي تنفذها إسرائيل، ولن تتوقف عن المضي قدما فيها، لكن اللافت للنظر هو هذه الإدانات والمواقف «الشيزوفرينية» من سكان الأرض في كل أنحائها وأصوات النواح وشق الجيوب ولطم الخدود داخل إسرائيل، وتحرك المنظمات الحقوقية والإنسانية لدعم اليهود في مواجهة «الإرهاب» ـ حسبما يصفونه ـ التي تدين العملية التي نفذت ردا على هذا الهجوم، أو الاستفزازات التي يقوم بها مسؤولون إسرائيليون بتدنيسهم للأماكن الإسلامية المقدسة. هذه الازدواجية والمعايير غير العادلة تؤدي إلى زيادة الاحتقان وتشعل الأوضاع، نحن لدينا أمل أن لا نرسخ فكرة أن المجتمع الدولي لا يعول عليه في التصدي للإرهاب الدولي؛ ويمنحه شرعية، وعاجز عن إنصاف الحق، وردع المحتل. إن ما يقبله العقل هو أن يعود الحق لأصحابه، وأن يحاسب المعتدي على فعلته، لا التركيز على رد الفعل وكأنه هو السبب الحقيقي، وأن يكون في العالم من يريد أن ينصف الحق ويقول للمعتدي قد فاض الكيل من كثرة انتهاكاتك.




جودة مرسي
[email protected]
من أسرة تحرير «الوطن»