حقَّق الاقتصاد العُمانيُّ نُموًّا ملحوظًا في الشهور الثمانية عشر الماضية رغم التحدِّيات والأزمات الاقتصاديَّة والسياسيَّة الكبرى التي هزَّت كيان الاقتصاد العالميِّ، سواء الصراع الروسيُّ الأوكرانيُّ، أو تواصل تداعيات أزمة جائحة كورونا «كوفيد19»، إلَّا أنَّ الرؤية الثاقبة لحضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم ـ حفظه الله ورعاه ـ وتوجيهاته السَّديدة للحكومة بضرورة وضع خطَّة إنقاذ عاجلة للاقتصاد الوطنيِّ، تُوازن بَيْنَ الالتزامات الاجتماعيَّة للحكومة تجاه المواطن، وبَيْنَ تحقيق إصلاح ماليٍّ يُسهم في تقليل حجْمِ الدَّيْن العامِّ، كان لها الأثر الأكبر فيما حدث من نقلة اقتصاديَّة شهدت بها كافَّة المؤسَّسات الائتمانيَّة والماليَّة في العالم أجمع، بالإضافة إلى المؤسَّسات الأُمميَّة الفاعلة مِثل صندوق النقد والبنك الدوليَّيْنِ.
وتجلَّت هذه النجاحات في الأرقام والمؤشِّرات التي خرجت بَيْنَ طيَّات العدد الأوَّل من تقرير البنك المركزيِّ العُمانيِّ الذي أصدره تحت عنوان «استقرار الاقتصاد الكلِّي»، حيث تضمَّن التقرير تحليلات تشخيصيَّة مفصَّلة لأداء الاقتصاد الكلِّي في سلطنة عُمان، حيث غطَّى التقرير فترة (18) شهرًا بدءًا من شهر يناير 2021م إلى شهر يونيو من عام 2022م، ويقدِّم تقييمًا للتطوُّرات الاقتصاديَّة الكليَّة الأخيرة للسَّلطنة، مع تسليط الضوء على جوانب القوَّة ومَواطن الضَّعف والمخاطر المحتملة على الاقتصاد الكلِّي، وهو تقرير ثريٌّ يوضِّح، بلُغة الأرقام، حجْمَ المُنجَز في تلك الفترة، رغم صعوبة الأوضاع الاقتصاديَّة على مستوى العالم أجمع، ويستطيع المتخصِّصون والمستثمرون أنْ يتعرفوا منه على الفرص الكامنة، والاحتياجات المستقبليَّة على المديَيْنِ القصير والمتوسط.
ولعلَّ أبرز ما شمله التقرير هو تسجيل الاقتصاد الوطنيِّ نُموًّا ملحوظًا يعكس انتعاش أسعار النفط العالميَّة، وتخفيف الإجراءات التي فرضتها تداعيات تفشِّي جائحة كورونا، واستحواذ القِطاع النفطيِّ على (43) بالمائة من نُموِّ الناتج المحلِّي الإجماليِّ الحقيقيِّ في عام 2021م، مع الوضع في الاعتبار عدم استقرار ظروف الاقتصاد العالميِّ بشكلٍ كبير خلال عام 2022م، حيث أشار التقرير إلى أنَّ رصيد الماليَّة العامَّة سجَّل تحسُّنًا كبيرًا؛ حيث انخفض عجز الماليَّة العامَّة كنسبة مئويَّة من الناتج المحلِّي الإجماليِّ؛ نتيجة ارتفاع عائدات النفط والغاز، ما أدَّى إلى انخفاض الاحتياجات التمويليَّة للحكومة، وانخفاضٍ كبير في إجماليِّ الدَّيْن العامِّ كنسبة إلى الناتج المحلِّي الإجماليِّ خلال عام 2021م والنِّصف الأوَّل من عام 2022م.
إنَّ تلك المؤشِّرات جميعًا تؤكِّد أنَّ الاقتصاد الوطنيَّ سيسيرُ في طريقه الصَّحيح ـ بإذن الله ـ خصوصًا مع الوضع في الاعتبار انخفاض الدَّيْن الخارجيِّ بشكلٍ كبير خلال هذه الفترة مع قيام الحكومة باسترداد وإعادة شراء سندات اليورو والصكوك الدوليَّة، بالإضافة إلى تأكيد التقرير أنَّه تمَّ احتواء معدَّلات التضخُّم في سلطنة عُمان بشكلٍ جيِّد مقارنةً بغالبيَّة دوَل العالم، ويرجع ذلك إلى نظام سعر الصَّرف الثابت الذي أسهم في استقرار الأسعار، وسياسات الدعم القائمة على السِّلع الأساسيَّة، وإعفاء العديد من السِّلع الاستهلاكيَّة الأساسيَّة من ضريبة القِيمة المُضافة، والاستمرار في تبنِّي وضع سقف مُحدَّد لسعر الوقود، ما يزيح أعباءً اجتماعيَّة عن كاهل المواطن، بموازاة المكاسب الاقتصاديَّة التي تتحقق.