كان قيام وتكوين دولة الاحتلال الصهيوني على أرض فلسطين، بعملية طافرة غير طبيعية، بـ»غفلة من الزمن»، صنعتها المعادلات الدولية التي كانت سائدة في الصراع بين الأقطاب الكبرى في العالم، وعلى رأسها الغرب الأوروبي والولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي السابق. ومن المنطقي، وفقًا لحيثيات قيامها؛ باعتبارها دولة «تجمعية» لجماعات سكانية من قوميات مختلفة من أصقاع المعمورة، لا يربطها مع بعضها البعض سوى الديانة اليهودية، والتي كانت حصان طروادة للتنظير لقيامها وبناء أيديولوجية خرافية في إطار منظومة «الفكرة الصهيونية»، كان من الطبيعي والمنطقي أن تشهد هذه الدولة/الكيان هزَّات متتالية بعد سنوات طويلة من قيامها، فالأسئلة تطرح الآن بقوة على الأنتجلنسيا اليهودية على أرض فلسطين حول الدولة/الكيان، ومصيرها ومستقبلها.. وقبل أيام قليلة، وفي تعقيبهم على ما يجري من تحوُّلات متسارعة في «إسرائيل» والصراعات بالشارع بين الكتل والمعسكرات الحزبية، وجَّه أكثر من مائة أكاديمي ومؤرخ «إسرائيلي» في الجامعات «الإسرائيلية» والأميركية انتقادات شديدة إلى حكومة بنيامين نتنياهو، على خلفية الاتفاقيات الائتلافية وخطة إضعاف جهاز القضاء التي تصفها الحكومة بـ»الإصلاحات»، واتهموها «بتشكيل خطر على مجرد وجود دولة إسرائيل والإسرائيليين». وجاء ذلك في عريضة نشرها موقع «نيوز 1» الإخباري يوم الأحد الواقع في 39/1/2023. كما قال المؤرخون في العريضة، وبالنصِّ الحرفي، إنه «منذ تشكيلها وخلال سنواتها جاء إلى إسرائيل مهاجرون لثلاثة أسباب أساسية: لأنهم فروا من ملاحقات، لأنهم سعوا إلى تحسين وضعهم الاقتصادي، ولأنهم بحثوا عن مكان يمنح حياتهم مضمونًا وجوديًّا وشعورًا بالانتماء. وتخضع جميع هذه الأهداف للتهديد حاليًّا». إن تجليات تلك الحالة الداخلية «الإسرائيلية» واعتمالاتها، كما أفرزتها الدورات الانتخابية التشريعية للكنيست والمعادة خلال أربع سنواتٍ، وخصوصًا منها الانتخابات التشريعية الخامسة الأخيرة التي جرت في الأول من تشرين الثاني/نوفمبر 2022، نابعة من خلافات جدية حول مستقبل الكيان، وطبيعة النظام: علماني، أم ديني، أم خليط بينهما، وتعريف من هو اليهودي، ودور التوراة في الحياة اليومية والمجتمعية، والصراع بين العلمانية الليبرالية، وبين الأصولية الدينية الشعبوية، ومبدأ فصل السلطات واستقلالها، وتقزيم دور القضاء وتهميشه. فيما تبقى نظرية «الفاسدون والمتعصبون» التي رددها المتظاهرين مؤخرًا في تل أبيب، صحيحة، لكنها لا تفسر الأرضية المجتمعية والخلفيات التي يجري عليها الصراع في «إسرائيل»...إلخ. وفي هذا المسار من التفاعلات الداخلية بالمجتمع «الإسرائيلي»، إن ما يُردده البعض من المجتمع الصهيوني عن حرب أهلية أمرٌ مستبعد إلى مديات زمنية معيَّنة، وذلك لأن الخلافات بين المعسكرات الحزبية يدور بين يمين ديني متطرف ويمين قومي ليبرالي متطرف ويمين ليبرالي أقل تطرفًا، في دولة/كيان عميقة تستند لمعادلات دولية وغطاء أميركي بلا حدود يوفر لها درجة من الاستقرار وحتى الحماية السياسية في المجتمع الدولي. إن الاحتمالات الواردة بشكلٍ مُرجَّح تتوقع أن تتوالى الهزات داخل المجتمع اليهودي على أرض فلسطين، فالمجتمع عندهم في نهاية الأمر، ليس كتلة ساكنة مانعة بل كتلة مُتحركة تتأثر بكل شيء في نهاية المطاف. خصوصًا في ظل وجود الثقافات الفرعية في «إسرائيل» (عرب، وأشكناز، وصابرا، وسفارديم… وعلمانيين ومتدينين… إلخ)، والتحوُّل الديمغرافي السكاني العربي حيث باتت أعداد الفلسطينيين على أرض فلسطين التاريخية تزيد قليلًا عن أعداد اليهود، وستكون هي الأعلى خلال السنوات التالية.




علي بدوان
كاتب فلسطيني
عضو اتحاد الكتاب العرب
دمشق ـ اليرموك
[email protected]