إنَّ سلطنة عُمان بقيادة حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ تقرأ في مسيرة العمل الاجتماعي والتطوعي وما تحقق له من مرتكزات ثابتة، وبيئات مؤسسية وتشريعية على مدى العقود الخمسة الماضية، مرحلة تحوُّل لبناء عُمان المستقبل، واستنهاض الهمم واستنطاق القِيَم العُمانية الأصيلة، وفرصة لإعادة إنتاجه بما يتناغم مع طبيعة المرحلة والظروف والمعطيات والتحوُّلات التي يعيشها المجتمع، ويتفاعل مع الأولويات التنموية ومستهدفات رؤية عُمان 2040، ليبقى العمل الاجتماعي الإنساني الخيري التطوعي مددا يحتوي الإنسان ويؤسِّس فيه روح الإيثار والعطاء المتجدد، وينتزع منه الأثرة والأنانية، قيمة مضافة في نهضة المجتمع، ومحطة تحوُّل في مسيرة التنمية المستدامة، وإثبات علامة فارقة في ميدان المنافسة ومواقف التضحيات، كيف يفعل المخلصون من أجل أوطانهم؟ وكيف يعمل الملهمون والمبدعون في سبيل إسعاد مجتمعاتهم؟ محطة تنقل الفرد إلى ملكوت العطاء بلا تردد، والعمل بلا توانٍ، وتبني مسارات إنجاز شاهدة على عطاء مخلص وعمل متقن، وفرص نجاح ملهمة ستكتبها المواقف بأحرف من نور ويسجلها التأريخ في صحائف من ذهب.
وإذا كان لنا أن نفتخر في سلطنة عُمان بثوابتنا الوطنية، وقِيَمنا الحضارية والإنسانية، وهُويتننا العُمانية، فإن العمل الاجتماعي التطوعي بكل تفاصيله ومعانيه يُمثِّل ذلك كله ويحتويه. فلقد سطر العُمانيون في تأريخهم الماجد، أروع نماذج البذل والعطاء والتضحيات، وأصدق صور التعاون والتكاتف والتعاضد، في ملحمة وطنية شاركت فيها كل أطياف المجتمع ومؤسساته، فإننا اليوم أمام مشهد وطني مهيب، ونموذج متفرد، يجسِّد في عمق دلالاته روح التغيير التي يصنعها العظماء ويخلِّدها الأنقياء، ويسطِّرها الأوفياء ويؤمن بها المخلصون لأوطانهم، الحافظون لمبادئهم، إنه نموذج تسطِّره أُمُّ الوطن السَّيدة الجليلة حرم مولانا جلالة السُّلطان المُعظَّم ـ حفظهما الله ـ خير من يحفظ لهذه الثوابت رسوخها، والقِيَم العُمانية نضوجها، والحسِّ الوطني موقعه في قلب كلِّ عُماني، لتستلهم الأجيال القادمة من صنيعها، مسيرة عطاء متجددة، ومنهج عمل مستدام، لتدشن بذلك عهدا جديدا في مسيرة العمل الاجتماعي الواعد، في أدقِّ تفاصيله، وأعظم مواقفه، وأصدق تجلِّياته، وأرقى معانيه، وأسمى مدخلاته، حفاظا على الأسرة العُمانية، واعترافا وتثمينا لموقع المرأة والطفولة والأطفال ذوي الإعاقة وغيرهم من الفئات الخاصة، ولترسم بذلك نهجا يقوم عليه المخلصون، ويرتقي بهاماته المبدعون فوق هامات السحاب، ويؤسِّس في أبناء الوطن وبناته، مرحلة متقدِّمة في إدارة العمل الاجتماعي.
على أن قراءة هذه الصورة النموذج للعمل الاجتماعي في مسيرة السَّيدة الجليلة ـ حفظها الله ـ يمكن تناوله من خلال ثلاثة مسارات. المسار الأول: والذي جاء عبر تأسيس وإشهار مؤسسة عهد، بالقرار الوزاري رقم (106/2021) والأهداف التي سعت لتحقيقها المتمثلة في: تعزيز قِيَم المواطنة والهُوية والتراث والثقافة الوطنية؛ ودعم مبادرات التمكين المجتمعي ذات العلاقة بالمرأة والأشخاص ذوي الإعاقة والدخل المحدود، وتقديم ودعم مبادرات وخدمات الرعاية الاجتماعية للأسر والأفراد، ودعم الجمعيات الأهلية المهتمة بتقديم خدمات التأهيل والرعاية الاجتماعية للأسرة، بالإضافة إلى دعم العمل المجتمعي والإنساني لخدمة المسنين والأيتام، لتمثِّل نموذجا وطنيا رائدا في العمل الاجتماعي والإنساني في سلطنة عُمان، ومحطة تحوُّل تصنع مسارات القوة لهذه المنظومة، انطلاقا من مسؤوليتها الاجتماعية والإنسانية والأخلاقية في دعم مبادرات العمل الاجتماعي، وتأصيل دور العمل الخيري في بناء مجتمع الوعي والنضج الفكري والمهني، ودعم جهود مؤسسات المجتمع المدني بما فيها، جمعيات المرأة العُمانية ومراكز الوفاء الاجتماعي ودار الرعاية الاجتماعية، ورعاية الأسر المنتجة والمرأة الريفية، حيث عمدت منذ تأسيسها على ترك بصمة واضحة، جسَّدت خلالها قيمة التفاعل المؤسسي والوطني مع المجتمع، واتخذ عمل مؤسسة عهد صورا عدَّة من أساليب الرعاية والدعم والتحفيز ومبادرات الإعانة الاجتماعية والمالية للأسر المعسرة، والأسر محدودة الدخل، وأسر الضمان الاجتماعي، وكان لها حضورها مع مؤسسات الدولة العسكرية والأمنية والمدنية في تجاوز الآثار الناتجة عن إعصار شاهين، وتقديم العون والدعم في مواجهة جائحة كورونا (كوفيد19)، كما كان لها حضورها في تعظيم دور المبادرات المجتمعية ذات الصلة، حيث قدمت الدعم المادي للإفراج عن عدد من المواطنين المحبوسين على ذمَّة قضايا مالية ضمن مبادرة «فك كربة» التي تبنَّتها جمعية المحامين العُمانية، أو من استغلال المناسبات الوطنية والدينية في تقديم الهدايا العينية والمادية للأطفال في مراكز رعاية الطفولة، وجمعيات الأطفال ذوي الإعاقة، وهي اليوم تواصل مسيرة العطاء المتجددة والدعم النوعي المحقق للأهداف بعيدة المدى، وعبر توفيرها لعدد من الحافلات التي تنقل الأطفال المنتسبين لجمعية الأطفال ذوي الإعاقة بمراكزها المختلفة.
أما المسار الثاني فيرتبط بالزيارات والمتابعات المستمرة التي تقوم بها السَّيدة الجليلة إلى مختلف محافظات سلطنة عُمان، وزيارتها للعديد من المواقع التراثية والثقافية والسياحية والحضارية والأسواق التقليدية والمتاحف والبيوت الأثرية والقلاع والحصون وجمعيات المرأة ومراكز رعاية الطفولة ومراكز ذوي الإعاقة، واطلاعها على المبادرات التي تنفذها جمعيات المرأة العُمانية في مختلف محافظات سلطنة عُمان، حيث تستهدف هذه الزيارات الاطلاع على الجهود المبذولة من قبل القائمين على هذه المواقع، والاستماع إلى ما يطرح من قبل المواطنين في هذا الشأن من أجل تطوير هذه المواقع أو تحسين دورها، ليسطِّر بين حروفه الكثير من الدلالات النوعية الإيجابية في ما تُمثِّله هذه الزيارات والمتابعات من أهمية لتطوير هذه المشروعات وإعادة إنتاجها اقتصاديا، وتعظيم فرص الاستفادة منها في إخراج الأسر من دوائر العسر والضمان الاجتماعي، ومساحة تواصلية تفاعلية لتبادل الرأي والتعاطي مع عاطر التوجيهات الصادرة من السَّيدة الجليلة، في صورة تعمق مفهوم التكامل والتعاون وروح الانسجام، وتبني مناخات الوفاق والتكاتف والتضامن، وتعكس حسَّ الانتماء لهذا الوطن الغالي والولاء لجلالة السُّلطان، وتعزز من خيوط التواصل وجسور التكامل الوطني، فهي بذلك تقدِّم صورة نموذجية للحوار الداخلي الوطني في قرب القيادة من المواطن، وتعبِّر عن نموذج السلام الداخلي الذي رسَّخه جلالة السُّلطان في أبناء وطنه، وعبر توجيه حرمه وأبنائه ـ حفظهم الله ـ إلى مد جسور التواصل مع المواطنين، والوقوف على الحياة المعيشية للمواطن والقرب منه وتلمُّس احتياجاته وحرص جلالته ـ أعزَّه الله ـ على أن يمارس أبناؤه دورهم بكل سلاسة في الانتقال إلى المواطنين والاستماع إليهم والإنصات لهم؛ لِما لهذه الصورة النموذج اليوم من أبعاد نفسية وفكرية وتنموية تنعكس على حياة المواطن وشعوره بقرب القيادة منه، كما أنها تجسِّد ما وعد به جلالة السُّلطان أبناء شَعبه الوفي في خطابه الذي ألقاه في الثالث والعشرين من فبراير لعام 2020 بقوله: «وإننا إذ نعاهد الله عزَّ وجلَّ، على أن نكرس حياتنا من أجلِ عُمان وأبناء عُمان؛ كي تستمر مسيرتُها الظافرة، ونهضتها المباركة». فإن ما يرتبط بهذه الزيارات من مدلولات نفسية تؤسِّس لعمق السلام الداخلي والحوار مع المواطن، وتعكس روح المسؤولية التي آمنت بها القيادة، والالتزام الذي أجرته على نفسها حبًّا لعُمان وشَعبها، وأعطت صورة نموذجية للعالم أجمع كيف صنعت حكمة جلالة السُّلطان من بيته الأسري مرحلة تحوُّل لترك بصمة حضور لأبنائه في واقع حياة المواطنين، إذ إن هذا القرب من المواطن والوصول إليه في أماكن وجوده وانتقال القيادة إليه يعكس حسَّ التواضع الذي لازم جلالة السُّلطان وأبناءه في أن يكونوا سندا للمواطن وعونا له في الحوائج والتحدِّيات، ومشاركتهم احتفالاته وفرحه وسروره، وأتراحه وأحزانه؛ وهي في الوقت نفسه تُمثِّل بعدا فكريا له أهميته في غرس القناعات الإيجابية، وتعميق روح التناغم الفكري والتعايش المعرفي، والتكامل في الرؤى والموجهات وانتقال هذا الشعور إلى فكر المواطن وقناعاته حول كفاءة النهج الحضاري الذي اختطه جلالة السُّلطان المعظم في بناء عُمان المستقبل، فإن ما يحيطه المواطنون لزياره السَّيدة الجليلة من مظاهر التقدير والاحترام، حيث تلتقي السَّيدة الجليلة بمختلف الطوائف المجتمعية من نساء ورجال وصغار وكبار وأطفال وشباب، محطات نوعية تعبِّر عن حسِّ الوفاء للثوابت العُمانية والولاء لجلالة السُّلطان، وفتح آفاق رحبة للوقوف على احتياجات الشباب والكبار والاستماع إليهم، الأمر الذي ينعكس إيجابا على المسار التنموي، للقناعة بأن هذه الصورة النموذجية من المتابعات والزيارات وما تحققه من أهداف وغايات، سوف يترتب عليها نتائج إيجابية تظهر في تنمية المحافظات وتطويرها وترقية الحياة الكريمة للمواطنين، وهي بلا شك ستحظى باهتمام جلالة السُّلطان لتكون ضمن هاجسه التنموي وأولوياته في أثناء ترؤسه لاجتماعات مجلس الوزراء الموقر.
ويبقى المسار الثالث من معادلة القوة، استحقاقا وطنيا للنموذج الملهم الذي صنعته السَّيدة الجليلة أُمُّ الوطن في احتواء العمل الاجتماعي والتطوعي، والذي يتجلَّى في ميكانيزما شخصيتها المتوازنة، بما حملته من نقاء الصفات، وعذب السمات، وسُمو الخصال، ونبل الخلال، في حسِّها المرهف، وابتسامتها المهذبة، وحبها للخير، وفعلها للمعروف، وفقه التواضع والإيثار والاحتواء الذي يلازمها، وكرم اليد وسخائها، وصفاء القلب، ودماثة الخلق، وحسِّ المسؤولية، وصدق الشعور نحو المواطن، والإيجابية والتفاؤل، ونهر الود، وعظيم الاحترام، وجلالة القدر، وعظمة الروح، والبساطة والعفوية، والأريحية وعدم التكلف، ولين الجانب، واحترافية التعامل، والعطف والحنان، ولمسة الأمومة، وحسّ المبادرة، وروح التجديد، والفأل الحسن، والذوق الراقي، والكلمة الطيبة التي يشع نورها طريقا للأمل والبناء والمستقبل، وهي تحتضن الأطفال، وتخاطب الأمَّهات، وتتحدث مع الكبار، ترعى الصغير وتحتويه، وتحترم الكبير وتوقره، لتبرز في المقابل جماليات الخطاب والرقي في رسالة الأُم العظيمة المعبِّرة عن حبِّها لأبناء هذا الوطن العظيم، واستحضارها للمناسبات الوطنية والاجتماعية والدينية، مشاركة منها للمواطن فرحه في الاحتفال بمناسباته الوطنية والاجتماعية، لتسطِّر بأحرف من نور كلمات ودٍّ وحب وتقدير في: يوم الشباب العُماني، ويوم الأُم، ويوم المعلِّم العُماني، ويوم المرأة العُمانية، وتهانيها للمواطنين بالأعياد الدينية كعيد الفطر السعيد وعيد الأضحى المبارك، وتهنئتها لأبنائها الطلبة والطالبات بنتائج الدبلوم العام.
أخيرا، تبقى المواقف العظيمة والمعاني المُبهرة التي أفصحت عنها زيارة السَّيدة الجليلة للمحافظات ووقوفها على المناشط والفعاليات، ولقاؤها بالمواطنين والمواطنات، محطات يستلهم منها أبناء عُمان وبناتها، نهج الوفاء للوطن العظيم، والولاء لسلطانه المعظِّم، لتظل بصماتها شواهد إثبات حاضرة في كل بيت وأسرة، وموقع ومحفل على أرض سلطنة عُمان الغالية، حبًّا وإجلال وإكبارا لأُمِّ الوطن، رعاها الله.


د.رجب بن علي العويسي
[email protected]