«7» «هان» أيقونة الجمال
نهر هان، أو «هانجل»، هو أيقونة الجمال في «سيئول»، فعلى ضفافه تنتشر الحدائق والبساتين، والمطاعم والمقاهي السياحية، والجسور البديعة التي صممت لكي تلفت الأنظار وتشد الانتباه وتحدث أثرا استثنائيا، وعلى صفحته المائية تتراقص الأضواء بألوانها المتعددة، وترسم البسمة أنواع شتَّى من اللمسات الجمالية التي تريح النفس وتحقق الترفيه والاستجمام للمواطن وتجذب السياح... فمن رحم «هان» ولدت العديد من الممالك وازدهرت الحضارة الكورية ونمى الاقتصاد، واعتمدت عليه أنشطة اقتصادية عديدة. الأكل الإسلامي «الحلال» متوافر في معظم شوارع ومناطق سيئول، حيث تنتشر المطاعم الماليزية والإندونيسية والباكستانية والهندية وغيرها، وحتى في السوق الليلي تلفت بعض أكشاك اللحم المشوي والشاورما و»المشاكيك» نظرنا إلى الإعلان الملزق، «حلال»، لكي تجذب المسلمين إليها وتطمئنهم إلى أن ما تقدمه من لحوم ذبح بالطريقة الإسلامية. مدينة الملاهي الفخمة «لوت»، تحتشد بعالم متنوِّع من الملاهي والمتاهات والكهوف، وتُعد من أكثر الأماكن الترفيهية والسياحية التي يقصدها الكوريون وتجذب السياح في المقابل، تضم المدينة عشرات الألعاب التي ترضي كافة الأذواق وتلبِّي احتياجات الشباب والأطفال وحتى كبار السنِّ، وتحتوي على متحف يجسِّد في مشاهد متحركة الحياة التقليدية القديمة للشعب الكوري، وأدينا صلاتي الظهر والعصر في المسجد المخصص للمسلمين في «لوت»، التي ربطت كذلك بمراكز تجارية حديثة، وبأسواق مخصصة للأكل والمقاهي التي تعج بالبشر وموصولة بأنفاق جميلة إلى محطات المترو، لتعلن سيئول عن مدينة متقدِّمة ومزدهرة تنافس أهمَّ المدن على مستوى العالم، وبأن التخطيط السليم والرؤى التي تقف وراءها إرادة صلبة وبرامج عمل مسؤولة تؤتي أكلها نموًّا وجودة ومشاريع ضخمة ترفد الاقتصاد وتحقق متطلبات التنويع... المكتبات العامة والخاصة كذلك، تتسيد المشهد الثقافي، وتنتشر في الأحياء والأسواق والشوارع الرئيسية والمراكز التجارية، فالشعب الكوري مثقف عاشق للقراءة، مكتبة «ستارفيلد»، افتتحت في عام ٢٠١٧م، في مجمع تجاري بارز، سميت باسمه، وتضم أكثر من ٥٠٠٠٠ ألف عنوان من الكتب والدوريات والمجلات الرصينة، تقدِّم خدماتها مجانا للجمهور، وهي من «أحدث المعالم الثقافية» في سيئول، وتنظم عروضا كل ساعة بالصوت والصورة ممزوجة بالأضواء الباهرة لمرتاديها. النظافة وجودة الخدمات وسعة الطرق ويسر الحياة والمعاملة الحسنة... على ضوء المشاهدات ووفقا لما تناوله المقال، هي خصيصة كورية وثقافة شعب يجدر الاستفادة والتعلم منها. كذلك تعبِّر التصاميم المعمارية الأنيقة للبنايات والأبراج والمباني والمساكن والمراكز التجارية، والمشاريع ذات الاستخدامات المتعددة، والمرتبطة بالتشجير الكثيف والمماشي الواسعة، والحدائق الغنَّاء والنوافير وسواقي المياه الجارية، واللمسات الجمالية التي تحتشد بها المدن والأحياء والشوارع... عن الاهتمام بصحة الإنسان وراحته، باعتبارهما من أولويات المعايير للمخططين. فكل مبنى ومشروع ومجمع هنا في كوريا الجنوبية بأناقته وجمالياته هو صديق الإنسان قريب من البيئة مستمد تصميمه وشكله من الطبيعة. لذا يغيب عن المشهد العام شذوذ العمارة وتوحش البنايات والأبراج، وكل ما ينتمي إلى حداثة العصر يدمجه المخططون والمصممون في قالب محبب يجمع بين القديم والجديد، وهو ملمح من ملمح العمارة في كوريا، يجب كذلك أن نستفيد منه في التخطيط والتمدد العمراني الواسع وسيل البنايات التي تكتسح السهل والجبل بأشكالها القبيحة، والتي لم تراعِ الذوق العام والأناقة والجمال وتخلو حتى من مواقف السيارات التي يحتاجها كل مبنى ومشروع تجاري أو حكومي . العربات المغلقة الأنيقة، التي تتحرك في سكك معلقة بين شاطئ وآخر يقابله، والبحر مزمجر بأمواجه فيعجز عن الوصول إلى قاعدتها، أو ما يطلق عليها بـ»الكبسولة»، والعربات الأخرى الطائرة عبر أسلاك كهربائية «الكيبل كار»، مدن الملاهي والحدائق العامة على اختلاف أنواعها، المتاحف، الألعاب النارية، والأضواء الملونة التي تصنع لوحات وتتشكل بصور أخاذة، الأسواق الليلية بما تحدثه من صخب وتحققه من غايات ومقاصد اجتماعية وثقافية واقتصادية... وغيرها الكثير، هي من ملامح المدن في كوريا الجنوبية، وكم تحتاج مسقط وصلالة ونزوى وصحار وصور وإبراء والرستاق... إلى هكذا فعاليات ومشاريع ترفيهية وعناصر جذب ومدن ملاهٍ... لكسر الرتابة والجمود وتحقيق التطلعات والمطالبات المستمرة من قبل المجتمع، ووضع مدننا ضمن الخريطة السياحية والترفيهية التي تستحق الاحتفاء والاستشهاد بها نموذجا. الأسواق الكورية، وبالرغم من أنها مفتوحة على أسواق العالم تتبادل معها الصناعات والسلع والبضائع كواحدة من أهم أسواق الرأسمالية، إلا أنها في المقابل تعج بالمنتجات والصناعات والبضائع الوطنية التي تنتجها المصانع الكورية، خصوصا في مجال التقنيات ومستحضرات التجميل والأغذية والأدوية والكماليات... فتثير الحيرة والتساؤلات حول أغراضها وخصائصها ولأي الاحتياجات تستخدم وتوضع، وما الذي تحققه، أما الملابس فشيء آخر من حيث جودتها وجمال ألوانها وليونة ملمسها وأنواعها وأشكالها... مما يلفت النظر ويشد الانتباه ويثير الإعجاب، وتستوقف المتجول في الأسواق، وسيكون محفوظا في الحالتين إذا تحرر من قبضة جمالها وجودة صناعتها وحافظ على ماله، وإن اشتراها فلا خسارة للنقود فيها، وسيكون مكسبا كبيرا لعُمان واقتصادها الصغير، إذا تمكنت من الاستفادة من خبرات بلد ككوريا الجنوبية في الاستثمار من تجاربها العريقة، في مجال الصناعات والتدريب وتنظيم سوق العمل وتحسين أجور العُمانيين وتوفير الوظائف ورفع قيمة التبادل التجاري وضخ المنتجات العُمانية في السوق الكوري.


سعود بن علي الحارثي
[email protected]