يُشكِّل تحقيق منظومة فعَّالة للأمن الغذائي، خصوصًا الزراعيَّة منها والسمكيَّة، أكبر هواجس العصر الحاليِّ، خصوصًا مع تكالُب الأزمات الاقتصاديَّة والسياسيَّة، وتأثير تداعياتها السلبيَّة على الاقتصاد العالميِّ، وسلاسل الإمداد والتوريد، وذلك الركود الكبير الذي ألمَّ بالحركة التجاريَّة الدوليَّة، وتحديدًا الأزمة الروسيَّة الأوكرانيَّة وما صحبها من تداعيات، جعلت الدوَل تسارع الخُطى لتحقيق منظومة أمنٍ غذائيٍّ، تجعلها قادرة على مجابهة أصعب التحدِّيات في هذا القِطاع المُهمِّ والحيَويِّ، الذي يؤثِّر على كافَّة المفردات السياسيَّة والاجتماعيَّة والاقتصاديَّة داخل البلدان المختلفة، ودَوْره المُهم في تحقيق قدر كبير من استقلال القرار الوطنيِّ، ما جعل تنميته بإقامة مشاريع غذائيَّة خيارًا جماعيًّا وحيويًّا يلبِّي احتياجات الحاضر، ويصنع الأمن والاستقرار والسَّلام في المستقبَل. وتُعدُّ سلطنة عُمان من أبرز الدوَل التي حقَّقت خطوات متقدِّمة نَحْوَ تعزيز منظومة الأمن الغذائيِّ لدَيْها، حيث خرج مختبر الأمن الغذائيِّ، النابع من رؤية عُمان 2040 الطموحة، بأفكار ومشروعات عديدة تعمل على تنمية منظومة الأمن الغذائيِّ في البلاد، حيث خرج بمجموعة من المشاريع والفرص الاستثماريَّة التي ستُسهم في تعزيز منظومة الأمن الغذائي في سلطنة عُمان، حيث تمَّ تحديد (102) مشروع استثماريٍّ يتمُّ تنفيذ أغلبها عن طريق استثمارات القِطاع الخاصِّ خلال الفترة القادمة، بالإضافة إلى افتتاح عددٍ من المشاريع الواعدة التي تُعدُّ قاطرة كبرى يدُور في فلكها العديد من المشاريع الأخرى، ووصل عدد المشروعات ذات الأولويَّة التي تتمُّ متابعتها في قِطاع الأمن الغذائيِّ لـ(102) مشروع، واستطاعت تحقيق الاكتفاء الذَّاتيِّ في قِطاع الثروة السمكيَّة، والوصول لمراحل متقدِّمة في الاكتفاء الذَّاتيِّ في قِطاع الدواجن، كما أنَّها قطعت شوطًا جيدًا في الثروة الحيوانيَّة والزراعيَّة.
وتُعدُّ تلك المشاريع الكبرى قاطرة مُلهِمة لباقي مشاريع هذا القِطاع، حيث تأمل سلطنة عُمان أنْ تحقِّق تلك المشاريع الكبرى فرصًا حقيقيَّة للمؤسَّسات الصغيرة والمتوسِّطة. لذا بحث بنك التنمية العُمانيُّ مع المنظَّمة العربيَّة للتنمية الزراعيَّة تعزيز التعاون المشترك بشأن التمويل النوعيِّ في قِطاعَي الزراعة والثروة الحيوانيَّة، حيث يسعى البنك إلى الاستفادة من خبرات المنظَّمة في دعم المؤسَّسات الصغيرة والمتوسِّطة العاملة في قِطاعَي الزراعة والثروة الحيوانيَّة عَبْرَ تهيئة الظروف المناسبة لها وتمكينها للاستفادة من الفرص المرتبطة بسلاسل الإنتاج وأهميَّتها في تحقيق الأمن الغذائيِّ، ما يعزِّز من دَوْره في تحقيق الأثَر التنمويِّ عَبْرَ تمويل المشروعات ذات القيمة المضافة ولها عوائد اقتصاديَّة واستثماريَّة عالية، وتوفر فرص عمل للشَّباب العُمانيِّ، بالإضافة إلى دَوْرها في تحقيق الأمن الغذائيِّ في البلاد. إنَّ الخطوات الكبرى التي حقَّقتها السَّلطنة في تنمية منظومة الأمن الغذائيِّ، والتي جعلتها تتقدَّم بمقدار (13.8) درجة في مؤشِّر الأمن الغذائيِّ؛ باعتبارها أكثر دولة حازت تقدُّمًا في نتيجتها على المستوى الدوليِّ منذ 2012 وحتَّى الآن، تحتاج جهدًا مضاعفًا لترسيخ تلك النجاحات، والعمل على فتح آفاقٍ أرحب. فنظرة عابرة تؤكِّد أنَّ بنك التنمية العُمانيَّ الجهة التمويليَّة الأبرز لمشاريع الأمن الغذائيِّ في البلاد، قد اعتمد خلال السنوات العشر الأخيرة ما يقارب من 10 آلاف قرض لمشروعات الزراعة والثروة الحيوانيَّة بقيمة إجماليَّة تصل إلى (60) مليون ريال عُماني، وهي أرقام يَجِبُ البناء عليها لتعزيز تلك المنظومة المُهمَّة والحيويَّة.