- نتيجة التغير المناخي والتوسع العمراني والأشجار الغازية والرعي الجائر

- جهود وطنية لتعويض المفقود وجبال ظفار والحجر الغربي أكثر المناطق المتأثرة

كتب ـ عيسى بن سلَّام اليعقوبي:
أكدت دراسة بحثية عُمانية أن أشجار الزيتون البري في سلطنة عمان مهددة بالانقراض نتيجة التغيُّر المناخي والتوسُّع العمراني، إضافة إلى الرعي الجائر والاحتطاب والأشجار الغازية، وكشفت الدراسة في نتائجها الأولية أن جبال ظفار وجبال الحجر الغربي أكثر المناطق المتأثرة بهذه العوامل.
وقالت المهندسة ثريا بنت عبدالله الجابرية ـ طالبة دكتوراه في مجال علوم الأحياء بجامعة ريدنج في المملكة المتحدة: إن المشروع البحثي (التنوع الظاهري والوراثي لشجرة الزيتون البري في سلطنة عمان) كشف الاختلافات الظاهرية والجينية لشجرة الزيتون البري المعروف في شمال سلطنة عمان بـ(العتم) وفي الجنوب بـ(موطين ـ ميطان) وذلك لتقييم مدى التنوع الظاهري والوراثي لنبات العتم بين السلاسل الجبلية التي يوجد بها لتحقق في مدى هذه الاختلافات بين المجموعات في شمال وجنوب عمان، وما إذا كانت المهددات الخارجية الطبيعية وغير الطبيعية أو المسافة الفاصلة بين الجبال تؤدي دورًا رئيسيًّا في هذه الاختلافات.

رحلات ميدانية
وأشارت إلى أن فكرة المشروع بدأت من خلال القيام برحلات ميدانية لجبال الحجر الشرقي والغربي وجبال ظفار كجزء من عملي في حديقة الأشجار والنباتات العُمانية لدراسة التنوُّع الحيوي للأشجار العُمانية وانتشارها ودراسة مهدداتها. ولفتت الباحثة إلى أن نمو شجرة الزيتون يشهد تراجعًا وتقلُّصًا في مساحات استيطانها، وتتأثر بالرعي الجائر والإصابات الحشرية والأمراض التي تصيبها.
وقالت: إن هذه الشجرة تنتشر في جبال عُمان وتُعد أحد النباتات الأساسية في بيئات الجبال في سلطنة عمان، حيث تنمو في بيئات خاصة وعلى ارتفاعات محددة بجانب أشجار العلعلان والبوت في جبال الحجر الغربي وتوجد مع شجرة الطيور شجرة القصم في جبال الحجر الشرقي، كما تتشارك مع شجرة الميشطة أو سغوت في جبال ظفار. وتُعد هذه الأشجار من النباتات العُمانية المستوطنة والتي لها أهمية اقتصادية وبيئية في البلاد.

استخدامات كثيرة
وأوضحت الجابرية أن لخشب الزيتون البري في الماضي استخدامات كثيرة نظرًا لصلابتها وديمومته ومرونته، ففي جنوب سلطنة عمان يدخل في صناعات عديدة؛ فقد كان الأهالي يستخدمونه في صناعة الأسلحة وما يسمى بالهراوة الثقيلة القصيرة التي يمسك بها الرجال، كما أن الأغصان الصغيرة كانت تستخدم لصناعة المشوط والكحل وأدوات علاج للأسنان.. وغيرها من الصناعات الحرفية، ويصنع الفحم منه كذلك بعد حرق الخشب.

مخاطر
كما تشير الدراسات والوقائع العالمية إلى أن حدوث الحرائق هي إحدى صور التغيُّر المناخي حيث شهد جبل شمس في يونيو 2021 حريقًا كبيرًا أدَّى إلى موت كثير من الأشجار البرية ومنها العتم، كما يهاجم كثير من الحشرات والأمراض شجرة العتم منها النمل الأبيض (الرمة) والذي تسبَّب مؤخرًا في موت كثير من الأشجار في جبال ظفار. موضحةً أن إدخال نباتات غير محلية للبيئات العُمانية بدون سابق دراسة عن الآثار المترتبة وماهية هذا النبات الدخيل أثر سلبًا على الغطاء النباتي مما كان له بالغ الأثر في انقراض النباتات في بيئاتها. أمَّا عن تأثير نبات البراثينوم على الزيتون البري، ففي رحلاتنا الميدانية لجبال ظفار لاحظنا اجتياحًا لهذا النبات الدخيل لبيئة الزيتون البري، حيث إن هذه النبتة لها قدرة تنافسية عالية؛ إذ إنها تنتج عددًا هائلًا من البذور يصل إلى 25000 بذرة لكل نبات.

جهود أهلية ووطنية
وهناك جهود تطوعية مبذولة من أهالي المنطقة وكذلك من الجهات الحكومية، حيث إنه تم تحديد فريق عمل مشترك لدراسة آلية مكافحة هذه النبتة. وعقدت مؤخرًا ندوة في شهر يوليو 2022 تطرقت لكيفية التعامل مع نبتة البارثنيوم في ظفار، ولا يخفى على الجميع انتشار المسكيت في جميع أنحاء سلطنة عمان؛ فقد اجتاحت السواحل والسيوح والقرى والمزارع والجبال فنجدها منافسًا وبقوَّة مع النباتات المحلِّية وهي كالبراثينيوم في إنتاجها أعدادًا هائلة من البذور والتي تنتشر كالنار على الهشيم، ولها سمة تنافسية على الغذاء والماء فجذورها تتميز بعمقها وصلابتها وتمتد لمسافات طويلة حتى عمق 47 مترًا، كما أنها لها صفة السمية مما يؤدي إلى اختناق النباتات الموجودة بالقرب منها. وأوضحت الباحثة أن بيئة الجبال تُعد بيئة هشَّة وحسَّاسة للتغيُّرات البيئية وغير البيئية بوجه عام. المهددات التي تواجه شجرة العتم في جبال سلطنة عمان تكاد تتساوى بين الجبال، ولكن قد تختلف حدَّتها من جبل إلى آخر، فكل جبل له ظروف طقس تختلف عن الآخر، بالإضافة إلى اختلاف الغطاء النباتي، كذلك أن بيئات جبال الحجر الغربي تُعد مزارًا للسياح وهواة تسلق الجبال مما يجعله عرضة لتدهور الموائل النباتية، إضافة إلى ارتياد جبال ظفار في فترة الصيف سواح مما قد يؤثر بتعرض الأشجار الكبيرة كالعتم باستخدام خشبها للشَّيِّ أو التدفئة. أضيف إلى ذلك أن الرعي الجائر غير المنظم يعد من أهم التهديدات التي تهلك الأشجار في الجبل بوجه عام ولشجرة الزيتون البري بوجه الخصوص.

تقييم وتوصيف
ونوَّهت الباحثة إلى أن مشروع الدراسة بمثابة تقييم لوضع شجرة العتم أو الميطان في ثلاث سلاسل جبلية بسلطنة عمان يبدأ أولًا بتوصيفه ظاهريًّا ومعرفة الاختلافات بينه داخل البلاد ودراسة دور المهددات الطبيعية وغير الطبيعية على هذه الاختلافات إن وجدت، وكذلك دراسة مدى التنوُّع الوراثي بين الزيتون البري في عمان بأكملها، وكذلك بين الدول المجاورة سيكون له بالغ الأثر في وضع استراتيجية هادفة وفعالة لصون هذا النبات. وكان للمغفور له بإذن الله تعالى السُّلطان قابوس بن سعيد ـ طيَّب الله ثراه ـ نظرة ثاقبة للموروث البيئي العُماني فقد أمَر بإنشاء مشروع حديقة النباتات والأشجار العُمانية لصون النباتات المحلِّية العُمانية من الانقراض، ويواصل جلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم ـ حفظه الله ورعاه ـ دعم الجهود البيئية والحفاظ على مكوِّنات البيئة العُمانية من نباتات وحيوانات من خلال التوسُّع في إنشاء المحميات وإصدار مراسيم القوانين المعنية بالبيئة والمناخ.

حديقة النباتات والأشجار
كما تقوم الحديقة بمهمة حفظ وتوثيق النباتات العُمانية المحلِّية بدءًا من بنك البذور الذي بدوره يقوم بجمع البذور وتنظيفها وتخزينها بطُرق علمية تضمن بقاءها لفترة أطول، وحتى تشجيع زراعة النباتات العمانية في مشاريع التشجير في سلطنة عمان، سعيًا للحفاظ عليها ونشر ونقل المعرفة عنها للأجيال القادمة والتي نعوِّل عليها في استمرارية جهود الحفاظ على هذه النبات وإيجاد الطُّرق المُثلى لاستمرارية استغلالها الاستغلال الأمثل حرفيًّا واقتصاديًّا وغذائيًّا.