على جبهتين عريضتين تحرك الجيش العربي السوري ليرسم واقعا جديدا على الارض، وليؤكد دائما انه حين يقرر معاركه فليس من قوة تمنعه. هو الآن في شمالي سوريا يقدم عرضا فائق الاهمية، فهو يريد فك الحصار عن بلدتي نبل والزهراء اللتين حوصرتا منذ ثلاث سنوات، والأهم انه يريد قطع الطريق التركي الواصل الى عمق المنطقة، ورغم ان المعارك هنالك قاسية وتركيا لا تبخل في امداد المسلحين الارهابيين بما يحتاجونه واكثر وانه يشكل مركز تجمعهم الكبير، فإن الجيش العربي السوري يقدم عرضا سخيا تتشارك فيه كل الوحدات العسكرية كان آخرها اغارة الطيران على تلك المناطق.
اما في الجنوب فيتقدم الجيش على اعرض جبهة ليصل في النهاية الى عمق القنيطرة حيث يتلاقى مع جيش العدو الصهيوني كما كان في السابق، وبذلك يضع حدا لما حسبته جبهة "النصرة" الارهابية من انه استيلاء دائم على المكان الحساس، وثانيا، يمنع دخول قوات جديدة إلى المنطقة ويغلق الباب نهائيا أمامها.
في هذا التوقيت الشتائي تتحرك الجحافل السورية على امل ان تنجز مهماتها، وهي سوف تنجزها طالما ان القرار متوفر والامكانيات متاحة. فسوريا اليوم تجاوزت شتى المنغصات التي واجهتها، وما فتح جبهتين عريضتين في وقت واحد سوى دلالة على ذلك، بل انه من نافل القول ان الجيش العربي السوري قد وضع جل امكانياته من أجل حسم المعركتين ليسد بذلك الطريق نهائيا إلى دمشق، وبالتالي ليحسم الواقع في الشمال، فإن تم الاتفاق على تجميد القتال في منطقة حلب يكون فيه قد حقق انجازا يعطي له المدى المفتوح في المستقبل اذا ذهبت الأمور باتجاه التسوية او عاد القتال من جديد مع القوى الارهابية.
ترتسم اذن مرحلة جديدة في سوريا العربية، وهي من المراحل التي تسبق عادة اية تسويات ممكنة، وفتح الجبهات هنا ان تحقق الدولة نقلة نوعية في الميدان، كي يكون لها واقع متقدم في السياسة، فالميدان كما نعرف اساس العمل السياسي.
ولهذا يتم تتابع جهود دي ميستورا وآرائه التي اصر فيها على ان الرئيس الأسد جزء من الحل بعدما كان معطلا له حسب كلام سابق، هذا النوع من الكلام الجديد لا يقال من عنديات شخص بعينه، فدي ميستورا صوت للغرب بأوروبا واميركا مجتمعة، وعندما يتحدث بكلام كهذا فإنما ينقل الحقيقة عنهم.
سوريا اليوم اذن هي غيرها، انه الواقع الذي يحقق فيه السوريون تقدما على شتى الجبهات العسكرية والداخلية رغم الدعم الهائل الذي تحظى به المنظمات الإرهابية والانغماس التام للدول الاقليمية المعروفة بتورطها في الشأن السوري. والتقدم السوري الملحوظ والمرئي، تتعامل معه دول العالم على انه انجاز يبنى عليه دائما. وفي هذا المجال، فإن ما يسمى بالائتلاف السوري الذي يعيش واقعا غامضا، ويتخبط ضمن افكار عتيقة عف عليها الزمن، صار من مستلزمات تركيا التي لا تزال تصر على مواقفها العدائية ضد سوريا أملا منها في مصادرة انجازات القيادة السورية والجيش العربي السوري، في رهان على
المنظمات الارهابية الحالية أو تلك التي تعمل مع أميركا على تكوينها تحت مسمى المعارضة المعتدلة.
هو إذن صراع ارادات بين سوريا وأعدائها، حيث تمضي العمليات العسكرية للجيش العربي السوري على الجبهتين بانتظار ان يحققا اهدافهما المرسومة، وهي اهداف سيكون لتحققها نتائج مهمة جدا وعلى اساسها سيبنى واقع جديد اساسه الميدان لكن نتائجه سياسية باهرة.