لم يَعد الجمهور العربي يحتضن (بإخلاص) الشعار الشائع الذي ينصُّ على أن «جامعة الدول العربية» هي «بيت العرب». ولكن على الرغم من أن هذا الشعار قد خدم نبراسًا للزعماء العرب المؤسِّسين الذين أمضوا على بروتوكول الإسكندرية قبل نهاية النصف الأول من القرن المنصرم والذي وضع حجر الأساس للجامعة، فإن على إدارة الجامعة لم تكن بالمستوى المطلوب، كما أن «قيادتها الجماعية» لم تعمل جاهدة للارتقاء بنفسها إلى الآمال الكبار التي عقدها عليها المؤسِّسون من القادة، والجمهور العربي الذي كان من ورائهم.
ولا أعتقد بأن عملية إصلاح شاملة لهذه الهيئة القومية المهمة الشاملة يمكن أن تتحقق بسهولة، كما يظن البعض خاطئين، ذلك أن إصلاح الجامعة وتفعيلها يوجب قرارات وإجراءات جذرية تحرر الجامعة، بل وحتى فكرتها الأصل، من الأطر والأنساق البالية السابقة. هذا الهدف سامٍ يتطلب جهودًا استثنائية دائبة، لا تقل أهمية وجدوى عن جهود الكوادر الرائدة التي أسَّست الجامعة قبل عقود من السنين.
والحقُّ، فإن أهم هذه الجهود (كما أظن) هو جهد أساسي لا يمكن أن يضطلع به سوى أصحاب الجلالة والفخامة الملوك والرؤساء العرب الذين لا بُدَّ وأن يطلقوا عملية الإصلاح والتجديد المنشودة بمباركة مشتركة لا تستثني أي جانب أو عضو أساس من أعضاء الجامعة. وحري بنا المباشرة بمؤسسة القمة العربية، نظرًا لأنها العقل المدبِّر والمدير الفعلي لأنشطة وأذرع الجامعة التي ينبغي أن تخضع جميع مواثيقها وأُسس منظماتها للمراجعة والتقويم لتقرير مدى الحاجة إليها بعد مرور تلك العقود الطوال على تأسيسها والعمل بموجبها، رغم تعثره.
كما ينبغي أن نلاحظ بأن عملية المراجعة والتقويم المطلوبة تضطر، الحكومات العربية وتوجب عليها إيفاد مختصين قادرين على الاضطلاع بهذه المهمات الجسام دون كلل أو ملل.
وإذا كان جسد الجامعة الأصل موجودًا هناك، وأقصد في القاهرة الحبيبة، فإن أذرعها ومنظماتها تنتشر عبر العواصم العربية من المحيط إلى الخليج. وهذا الأمر يتطلب، إضافة على تسمية المختصين والعاملين وإيفادهم، الحركة المكوكية الدورية لهم، بوصفهم رجال قانون وإدارة واقتصاد ومحاسبة، من بين سواهم من المختصين الذين لا بُدَّ أن يعملوا سوية، أي على نحو فرقي، لتحقيق الهدف النهائي والمؤمل، وهو تأهيل وتجديد جامعة الدول العربية بسرعة فائقة قبل أن يتحول «بيت العرب» إلى هيكل خشبي متآكل وآيل إلى التفكك!



أ.د. محمد الدعمي
كاتب وباحث أكاديمي عراقي