تشهد أكاديمية السُّلطان قابوس لعلوم الشُّرطة تحوُّلات كبيرة في البنى الهيكلية والتطويرية والتنظيمية والتشريعية والتعليمية والتدريبية، وقد أسهمت الإنشاءات الجديدة التي تحققت للأكاديمية والتي تشرفت بافتتاحها من المقام السَّامي لحضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المعظم القائد الأعلى ـ حفظه الله ـ في رعاية جلالته الكريمة لاحتفال شُرطة عُمان السُّلطانية في يومها السنوي في الخامس من يناير لعام 2022م، في إحداث نقلة نوعية في مسيرة عمل الأكاديمية وسياساتها التعليمية وخططها التطويرية وبرامجها التدريبية والتأهيلية، في ظل بيئة تعليمية وتدريبية عصرية ومحفزة بنيت على أفضل المعايير، وجسَّدت أفضل المقاييس المحققة للجودة التعليم والتدريب، بما توفر فيها من مرافق تعليمية وبحثية وتدريبية وتخصصية، مستفيدة من أفضل الممارسات العالمية في مجال توظيف التقنيات الحديثة والبرامج التطبيقية في تعزيز جودة التعليم والتعلم، وإدخال آليات وأساليب جديدة على البرامج التدريبية بالأكاديمية لتواكب التطور الذي يشهده العمل الشُّرطي والأمني.
وانطلاقا من رؤية عُمان 2040، وفي إطار تحقيق أولويات الرؤية المتعلقة بمحور: التعليم والتعلم والبحث العلمي والقدرات الوطنية، والتوجُّه الاستراتيجي الذي يقوم عليه في «تحقيق تعليم شامل وتعلُّم مستدام، وبحث علمي يقود إلى مجتمع معرفي وقدرات وطنية منافسة» وفي إطار تحقيق هدف الحوكمة، فقد عملت أكاديمية السُّلطان قابوس لعلوم الشُّرطة على التوسع في هياكلها التنظيمية والإدارية وبرامجها التعليمية والتدريبية منذ فترة مبكرة، بحسب طبيعة التحوُّلات الحاصلة في العمل الأمني عامة والشُّرطي بشكل خاص، مراعية متطلبات التنمية الوطنية والتحديث الحاصل في الجهاز الإداري للدولة آخذة بكل ما هو جديد لصقل قدرات وخبرات وكفاءة منتسبيها من شُرطة عُمان السُّلطانية والأجهزة الأمنية والعسكرية الأخرى، حيث انعكس هذا التطوُّر على أدائها والتحديث المستمر في برامجها الأكاديمية وإدخال العديد من البرامج التدريسية على البرامج التدريبية بالأكاديمية لتواكب التطور الذي يشهده هذا المجال، حيث جاءت ثمرات الإنجاز النوعية التي قدَّمتها أكاديمية السُّلطان قابوس لعلوم الشُّرطة تتويجا لرؤيتها الطموحة في الوصول إلى الريادة في التعليم والتدريب والتأهيل والبحث العلمي لرفد منتسبي شُرطة عُمان السُّلطانية بالمهارات والقدرات المهنية والعلمية التي ترتقي بالأداء الشُّرطي في مختلف المواقع والمسؤوليات، وهو الأمر الذي جسَّدته رسالة الأكاديمية في واقعيتها التي اختصرت الوقت وأثبتت شواهد عملها وضوح المسار وصدق التوجُّه التزمت خلاله برفع مستوى الإعداد والتدريب والتأهيل النوعي لمنتسبي الشُّرطة. وتحقيقا لرؤية الأكاديمية ورسالتها إلى العالمية، فقد أدخلت في برامجها مفاهيم الاعتماد الأكاديمي وضمان الجودة للوصول إلى تحقيق أهداف نوعية على مستوى الأداء والكفاءة والمهارة، وسعيا منها نحو رفد القطاع الشُّرطي بالكفاءات التخصصية عالية الجودة، تم رفع الدرجة العلمية للشهادة التي تمنحها كلِّية الشُّرطة إلى درجة البكالوريوس في العلوم الشُّرطية، بالإضافة إلى نظام الدبلوم في القانون وعلوم الشُّرطة، وسعت إلى تعزيز آفاق التعاون وتبادل الخُبرات مع المؤسسات الأكاديمية، من خلال الارتباط باتفاقيات وبرامج تعاون لتبادل الخبرات مع المؤسسات التعليمية في مجال الاعتماد الأكاديمي، حيث ترتبط كلِّية الشُّرطة بعلاقات تعاون وطيدة مع العديد من الجامعات والكلِّيات العريقة المشهود لها بالكفاءة الأكاديمية في الاختصاص من داخل سلطنة عُمان وخارجها؛ وتجسيدا لذلك ابتعثت الأكاديمية عددا من الكوادر الشُّرطية للحصول على الدرجات العلمية (الماجستير والدكتوراه)، ومن بينها ابتعاث بعض طلبة الكلِّية لدرجة الدكتوراه في الأمن السيبراني من المملكة المتحدة. وتوظيفا للميزة التنافسية للأكاديمية في ظل الفرص التي توافرت لها في بنيتها الأساسية والهيكلية والتنظيمية والتشريعية، تتجه استراتيجية عمل الأكاديمية في تجسيدها لمستهدفات رؤية عُمان 2040؛ إلى تعزيز البنية النوعية وتعظيم المهارات الناعمة والمهارات التقنية في منتسبيها، واضعة اهتمامها بالبحث العلمي الأمني والابتكار والريادة وبناء القدرات الوطنية الفاعلة، وتعزيز ثقافة الوعي بالقانون والنظام، وتأصيل فرص أكبر للتدريب النوعي والتخصصي القادر على إنتاج كفاءات شُرطية لتمارس دورها بكل كفاءة وإتقان، في إطار من الشراكة والمهنية والاحترافية والعالمية وتطوير منهجيات الأداء وترقية أساليب العمل طريقها نحو استشراف المستقبل، وفي ذلك عملت على توفير البيئة العلمية والبحثية والتدريبية ووسائل الدعم اللازمة، وتعزيز العلاقة مع المؤسسات المهنية والمجتمعية ذات الصلة بما يحقق أهداف الشُّرطة ورسالتها السامية، حيث جسَّدت الأكاديمية هذه الصورة في جملة من البرامج والفعاليات والإصدارات والخطط والتوجُّهات التي تعمل على خلق مسار تكاملي في دور الأكاديمية مع تشكيلات جهاز شُرطة عُمان السُّلطانية بما تستهدفه من صقل طاقات منتسبي الشُّرطة في العلوم التخصصية والبرامج المتقدِّمة والمعارف الأصيلة، وكذلك مع المجتمع المحلي والمحافظات وعبر جملة من التوجهات من بينها ـ على سبيل المثال لا الحصر ـ إصدار مجلة الأمانة المحكمة التي تهتم بالبحوث الأمنية والقانونية والاجتماعية والنفسية، وإطلاق مسابقة شُرطة عُمان السُّلطانية للبحث الأمني، والمشاركة في المسابقات البحثية على مستوى مجلس التعاون والدول العربية، وإصدار مجلة صدى الأكاديمية، وتنفيذ المؤتمرات والفعاليات العلمية والثقافية والاجتماعية، منطلقة في ذلك من دراسات ميدانية وتطبيقات وشراكات عملية مع القطاعات الاستراتيجية بالدولة.
لقد وجدت أكاديمية السُّلطان قابوس لعلوم الشُّرطة في هذه المناشط التعليمية والعلمية والبحثية والثقافية والفكرية مساحة لها للانطلاقة للمجتمع، وتوظيف هذه الميزة التنافسية للأكاديمية والموقع المكاني، والتقدير الاجتماعي الذي تحظى به في ثقافة المجتمع وقناعاته والتي تعكسها توافد مختلف فئات المجتمع لحضور المناسبات الوطنية والعسكرية والاجتماعية التي تقيمها الأكاديمية واحتفالاتها بيوم الشُّرطة، أو تخريج دورات من الضباط والمستجدين، أو إقامة الفعاليات والمؤتمرات، وتعظيم فرص الاستفادة المجتمعية من البيئات والمرافق التعليمية مثل مراكز مصادر التعلم والمكتبة العامة، والبرامج التثقيفية والتوعوية التي أتاحتها الأكاديمية للجمهور من خارج منتسبي شُرطة عُمان السُّلطانية والأجهزة الأمنية والعسكرية الأخرى، بما فتح المجال فيها للباحثين والمهتمين بالعلوم الشُّرطية والقانونية، في الاستفادة من البنية الفكرية والثقافية والبحثية والعلمية، فإن وجود مجمع الدراسات والبحوث ومجمع التطبيقات العملية، فرصة عززت من الشراكة مع المؤسسات العلمية والمراكز البحثية لتقديم الخدمات المتبادلة في البحث العلمي والدراسات العلمية الشُّرطية والأمنية والقانونية التخصصية، وتناول القضايا الفكرية والظواهر المجتمعية والاقتصادية وتداعياتها الأمنية على حياة المجتمع، خصوصا في مجالات مكافحة الجريمة والمخدرات والحوادث المرورية والاحتيال والابتزاز الإلكتروني والقانون، والظواهر السلبية ذات الصلة، ومجالات أخرى تتعلق بالهُوِيَّة والقِيَم والأخلاق والثوابت العُمانية والتي تعمل شُرطة عُمان السُّلطانية على الحفاظ عليها ورعايتها، الأمر الذي جعل من الأكاديمية محط أنظار الباحثين والمتخصصين والدراسين وغيرهم من أبناء المجتمع.
وعملا بالمرسوم السُّلطاني رقم (36/2022) بإصدار نظام المحافظات، والجهود الوطنية الساعية إلى تعزيز اللامركزية والإدارة المحلية في المحافظات في استثمار مواردها، وانطلاقا من دور المؤسسات التعليمية والتدريبية في الإسهام في تنمية وتطوير المحافظات كل في مجال اختصاصاتها، والموقع المكاني الذي تشكله أكاديمية السُّلطان قابوس لعلوم الشُّرطة في ولاية نزوى بمحافظة الداخلية فإنها تُمثِّل رافدا لهذه المحافظة ومحافظة شمال الشرقية ومحافظة الظاهرة وغيرها في الاستفادة من الممكنات والفرص المتعاظمة بالأكاديمية، وجهودها الساعية إلى القيام بدور مجتمعي ريادي ثقافي وفكري وتدريبي وتعليكم خارج إطار الدور الأمني، وعبر نقل هذا الحراك الداخلي والنشاط العلمي والمعرفي والبحثي والتثقيفي والتعليمي الذي تشهده الأكاديمية إلى الخارج بحيث يستوعب المتغيرات والظواهر الاجتماعية والاقتصادية وإنتاج الحلول والأدوات المناسبة لها، للقناعة بأهمية دور المؤسسات التعليمية والتدريبية بالمحافظات في إثبات بصمة حضور لها في إعادة إنتاج الواقع، وتعزيز الجهود الوطنية الساعية نحو بناء القدرة الوطنية للمحافظات في رسم ملامح التحول وتفعيل دور المجالس البلدية في تحقيق أهداف المحافظات؛ ولمَّا كانت أكاديمية السُّلطان قابوس في ظل اختصاصاتها والفرص التي تحققت لها أن تسهم بدورها الحيوي في هذا الجانب، سواء على مستوى التوعية والبرامج الأكاديمية الوقائية، أو من خلال برامج الزيارات التي تقوم بها المؤسسات التعليمية ومؤسسات المجتمع المدني إلى الأكاديمية، أو كذلك عبر الشراكات والتفاهمات التي تم توقيعها مع المؤسسات ذات العلاقة، أو الدراسات العلمية والبحثية المنفذة بالأكاديمية والتي تستهدف استقراء رأي المستهدفين من المجتمع حول العديد من القضايا البحثية الاجتماعية، بل أيضا فيما تؤصله من بيئة محفزة للإبداع والابتكار والإنتاجية، وتؤسس خلالها مفاهيم الالتزام واحترام العمل والإنتاجية ومفاهيم اللامركزية وقياس الأداء وتطبيقاتها التي تضعها الأكاديمية في أولويات برامجها. أخيرا، تبقى أكاديمية السُّلطان قابوس لعلوم الشُّرطة صرحا تعليميا تدريبيا متفردا في عطائه، شامخا في إنجازه، نموذجا في تطوره واستيعابه للواقع، أصيلا في ممارساته، يقدم لسلطنة عُمان وأبنائها من منتسبي شُرطة عُمان السُّلطانية وأبناء المجتمع بأسره، نهرا من العطاء العلمي المتدفق، ويؤسس للدور الاجتماعي المجسّد لنضج الوعي المجتمعي وبناء ثقافة المواطنة وترسيخ معالم الهُوِيَّة الوطنية وقِيَم العسكرية العُمانية، والوقوف على القضايا الاجتماعية والفكرية والأمنية التي باتت تشكِّل ضرورة للمواطن في فضاء كوني مفتوح، وبما حملته على عاتقها من أهداف طموحة، وغايات سامية، ومنهجيات عمل دقيقة، وأساليب رصينة، وأدوات محكمة، ترجمت قِيَم الأكاديمية وجسَّدت أهدافها في قِيَم الانضباط والجودة والمهنية والولاء والانتماء والعدالة والمساواة المعززة لنهج المصداقية والوضوح؛ مرحلة مهمة في مسيرة بناء عُمان المستقبل وبيت خبرة استراتيجي يتشارك مع قطاعات الدولة المختلفة تحقيق رؤية عُمان 2040.



د.رجب بن علي العويسي
[email protected]