لا نستطيع أنْ نقصرَ هُوِيَّتنا الوطنيَّة العُمانيَّة الأصيلة على المظهر فقط، فهذه الهُوِيَّة الوطنيَّة الرَّاسخة نبتَتْ من رحم سلوكيَّات وأخلاق وأعراف وعادات وتقاليد عُمانيَّة موروثة منذ آلاف السِّنين، عادات لها سِماتٌ مُتفرِّدةٌ قائمةٌ على كرَمِ الضِّيافة وحُسْنِ المَعْشَرِ والمَظْهَرِ، وطُهْرِ المَخْبَرِ، وعفَّة اللِّسان. فالعُماني في مختلف عصور تاريخِه الممتدِّ معروفٌ بدَماثةِ الخُلُق، بل إنَّ هذه الأخلاق السَّمحة شهدَ بها النبيُّ محمدٌ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، حين بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا إلى حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ، فَسَبُّوهُ وَضَرَبُوهُ، فَجَاءَ إلى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَوْ أَنَّ أَهْلَ عُمان أَتَيْتَ مَا سَبُّوكَ وَلَا ضَرَبُوكَ).
تلك الشهادة النبويَّة التي تُعدُّ وسامًا على صدْرِ أبناء عُمان، وتأكيدًا على ما يتَّسمونَ به من أخلاقٍ حميدة، تجعل مسؤوليَّة الأجيال الحاليَّة أكبر في الحفاظ عليها، وعدم الانجرار لعاداتٍ وتقاليدَ غريبةٍ على فِطرة المُجتمع العُمانيِّ. فالانفتاحُ على العالَم ـ كما أكَّدنا سابقًا ـ يَجِبُ أنْ لا يُنسِيَنا قِيَمَنا العُمانيَّة الأصيلة المستمدَّة من دِينِنا الحنيف، ويَجِبُ أنْ يلتزمَ بِها الضَّيفُ، خصوصًا الاحتشام في الملبس، ومراعاة ثقافة المُجتمع وعاداته وتقاليده، والحفاظ على السلوكيَّات الأخلاقيَّة الرَّاقية التي يتَّسم بِها المُجتمع العُمانيُّ، وتصونها وتحميها القوانين، فيَنبغي الحفاظ على قِيَم المُجتمع والذَّوق العامِّ، وعدم خدش الحياء، سواء بالزيِّ غير المحتشم، أو الألفاظ النَّابية التي تجرح مَنْ يَسمعها، أو ممارسة عادات وتقاليد دخيلة وتتنافى جملةً وتفصيلًا مع مبادئ الدِّين الإسلامي وقِيَمه وعادات المُجتمع العُمانيِّ وتقاليده.
إنَّ التزام كُلِّ مَنْ يسكُنُ هذه الأرضَ الطيِّبة بقواعد حُسْنِ الخُلُقِ وقِيَمِ المُجتمع، ليس حفاظًا على الهُوِيَّة الوطنيَّة فقط، لكنَّه يتعدَّى ذلك للحفاظِ على المُجتمع ذاتِه، حيث إنَّ الأخلاقَ هي الأساسُ لبناء المُجتمعات الإنسانيَّة، فتقدُّم المُجتمع مرتبطٌ دائمًا بما يسودُه من أخلاق حميدة، ومجموعة مِنَ القِيَم والعادات والتقاليد التي تجعله مُحصَّنًا لا تنالُ مِنه عواملُ التردِّي والانحطاط. فكما أكَّد علماءُ الاجتماعِ أنَّ ابتلاءَ الأُمم والحضارات ليس كامنًا في ضَعف إمكاناتها الماديَّة أو منجزاتها العِلميَّة، إنَّما في قِيمتها الخُلقيَّة التي تسودُها وتتحلَّى بها، فكَمْ مِن دُوَلٍ تمتلك أحدث العلوم والتقنيَّات، لكنَّ الانحدار الأخلاقيَّ يجعلها مُفكَّكة هشَّة، لا تستطيع الثَّبات في وجْهِ أقلِّ الأزمات والتحدِّيات.
ومن هذا المنطلق، فإنَّ الالتزامَ الأخلاقيَّ بكُلِّ صُوَرِه وأشكاله، سواءً الحفاظ على الاحتشام في الزيِّ واللَّفظ، أو عَبْرَ السُّلوك، هو بوَّابة حِفظ وصَون هذا المُجتمع العُمانيِّ، الذي يتَّسم على مدار تاريخِه التَّليد، بمجموعة من القِيَم والمبادئ حافظت على أمْنِه واستقراره، وحالة السَّلام الفريدة التي يعيش المقيمون به قَبْلَ مواطنيه في ظلِّها. فالمُجتمعات الإنسانيَّة لا يستطيع أفرادها أنْ يعيشوا متفاهمين متعاونين سُعداء ما لَمْ تربط بَيْنَهم روابطُ متينةٌ من الأخلاق الكريمة، فهي الوسيط الذي لا بُدَّ منه لانسجامِ الإنسانِ مع أخيه الإنسانِ داخل المُجتمع. لذلك فإنَّ الحفاظ عليها والحرص على التعامل من خلالها، وعدم قًبولِ ما يُعارضها في الزيِّ والقَول واجبٌ وطنيٌّ، ولا يَجِبُ التهاون فيها أو التحجُّج بالحداثة للتنازل عن سِمات منها؛ وذلك ضمانًا لحالة السَّلام الاجتماعيِّ التي تحيا سلطنة عُمان في ظِلِّه.