يُمثِّل الحفاظُ على الذَّوق العامِّ، النابع من العادات والتقاليد الاجتماعيَّة، مفتاحًا للحفاظ على استقرار المُجتمعات الإنسانيَّة. فالعديد من الدوَل حَوْلَ العالَم تفرض على الزائر، قَبْلَ المُقِيم والمُواطِن، الالتزامَ بقواعدها الصَّارمة في مجال الذَّوق العامِّ، بَلْ إنَّ العديدَ من الأماكنِ تضعُ لوائحَ بالزيِّ قَبْلَ دخولها؛ تأكيدًا على أنَّ الزيَّ ـ أيًّا كانت طبيعتُه ـ ليس حُريَّةً شخصيَّة مُطلقة. لكنَّه ينضبط مع حُريَّة المُجتمع في الحفاظ على عاداته وتقاليده، فكما لكَ الحقُّ في اختيار ملابسك، للمُجتمع حقٌّ أيضًا في تَقبُّلها، خصوصًا إذا تعارضت مع القِيَم والعادات والتقاليد في مُجتمعات مُحافِظة مِثل المُجتمع العُمانيِّ، لذا وجَبَ على الأقلِّ عدمُ ارتداء تلك الملابس غير المُحتشمة في الأماكن العامَّة.
انطلاقًا من أنَّ الأماكن العامَّة ملكٌ للجميع، وعلى مَنْ يرتادُها أنْ يلتزمَ بقوانين الاحتشام، فإنَّ الاحتشام والحياء يُعدَّانِ مبدأيْنِ أساسيَّيْنِ في سلطنة عُمان، ينطلقانِ من العادات والتقاليد العُمانيَّة الرَّاسخة المُنبثِقة من دِينِنا الإسلاميِّ الحنيف، وهما جزءانِ من الانضباط الأخلاقيِّ، الذي تتَّسمُ به المُجتمعات المُحافِظة عمومًا. لذا فإنَّ عدمَ الالتزامِ بهما (الاحتشام والحياء) ليس حُريَّةً شخصيَّة، بَلْ إنَّ الالتزامَ بالاحتشام والحياء يُجسِّد الحُريَّة بمفهومها الصَّحيح. فحُريَّتُك الشخصيَّة تنتهي دائمًا عندما تتعارض مع حُريَّة الآخرين والقِيَم والعادات والقوانين، خصوصًا في الأماكن العامَّة الَّتي تُعدُّ ملكًا للجميع. فتلك الأماكنُ لها كرامةٌ يَجِبُ أنْ نراعِيَها ونحترمَها ونحافظَ عليها، كما نحافظ على كرامتِنا، خصوصًا وأنَّها تتوافَقُ مع قِيَم المُجتمع العُمانيِّ الرَّاسخة الَّتي يَجِبُ أنْ يحميَها كافَّة مكوِّنات المُجتمع؛ لكَوْنِها جوهرَ السَّلامِ والاستقرار.
ولا يقتصرُ الاحتشامُ على الزيِّ المتمرِّد على الأخلاق فقط، وإنَّما يشملُ السُّلوكَ القويم أيضًا، وذلك على اعتبار أنَّ السُّلوكَ القويم والاحتشام عنصرانِ مترابطانِ، يقضيانِ على الفتنة في المُجتمع، لذلك وجَبَ تعاون الجميع داخل المُجتمع للحفاظ على عاداته وتقاليده، والوقوف ضدَّ الظواهر الغريبة والدَّخيلة على مُجتمعنا، والتعجيل برَدْعِها، خصوصًا وأنَّ القانونَ العُمانيَّ يُجرِّمها، ويضعُ عقوبات مغلَّظة تصل للسّجنِ والغرامة معًا. ومِن هنا تتجلَّى حتميَّةُ التعاونِ والتكاتفِ لتطبيق تلك القوانين، بدءًا من المُشرفين على تلك الأماكنِ العامَّة. فهذا التحرُّك القانونيُّ يصونُ المُجتمعَ من دواعي الفتنةِ والفساد، ويحمي قِيَمه الإسلاميَّة، ولا تتنافَى تلك الجهودُ مع وجود مساحةٍ من الحُريَّة والاختيار فيما يناسبُه ويختارُه الفردُ من ملبسٍ وسلوكٍ لا تتعارضُ مع الحُريَّة الاجتماعيَّة المُعتزَّة بثوابتها.
إنَّ تلك الظواهر، الَّتي أسلفنا أنَّها تؤثِّر على قِيَم المُجتمع وهُوِيَّته الوطنيَّة، تحتاج لتكاتفِ الجهود والتعاونِ مع الجهات المختصَّة لصونِ المُجتمع وحِفظه، وعلى كافَّة أطراف المعادلة من مؤسَّسات المُجتمع المَدنيِّ، وكافَّة وسائل الإعلام من صحافة وإذاعة وتلفزيون وحتَّى منصَّات التواصل الاجتماعيِّ، إطلاق حملات توعويَّة بالسلوكيَّات الاجتماعيَّة المرفوضة، وفي مُقدِّمتها ضرورة الالتزام بارتداء ملابسَ محتشمة، وتعريف جميع المُقِيمين والسيَّاح بعادات المُجتمع العُمانيِّ الَّتي يَجِبُ أنْ يتمسَّك بها الجميع، بالإضافة للدَّور الرُّوحي الذي تقومُ به منابرُ المساجد، وغيرها من الأدوات التي تساعد على مواجهةِ تلك المظاهرِ الدخيلة على مُجتمعنا العُمانيِّ العريق، والَّتي باتت تُؤذي وتُؤرق كُلَّ مَنْ يرتادُ الأماكنَ العامَّة داخل البلاد.