[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedabdel.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]محمد عبد الصادق[/author]
”تحدث أوباما عن إنفاق تريليون دولار على الحرب في العراق وأفغانستان، وعن 7 آلاف جندي أميركي قتلوا في ساحات القتال وآلاف فقدوا أجزاء من أجسادهم من أجل الدفاع عن أميركا وتأمين مستقبل أفضل للأطفال الأميركيين، ولم يتطرق لحجم الدمار والخراب الذي تركه التدخل الأميركي في هذين البلدين، ولا أعداد الضحايا الذين قضوا جراء القصف الأميركي، ولا الحال الذي آلت إليه الأوضاع المعيشية في البلدين،”
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
لا أحد ينكر على أوباما فصاحته ولباقته وسعة ثقافته، ولا طريقة نطقه الفخيمة للحروف، وتمكنه من فنون اللغة وتقنيات الخطابة، واستخدامه لغة الجسد في السيطرة على مستمعيه، تجلت هذه القدرات البلاغية في خطابه الأخير في افتتاح مؤتمر مكافحة التطرف والإرهاب، والذي استطاع خلاله تشخيص الحالة والوقوف على الأعراض والمسببات، دون أن يدلنا على طريقة العلاج، وكيفية ترجمة هذه التوصيات النظرية لقرارات واستراتيجيات واقعية يمكن من خلالها القضاء على التطرف والإرهاب الذي يضرب العالم من شرقه لغربه، ولم يستثن ديناً ولا عرقاً ولا منطقة جغرافية.
وظهر رئيس الولايات المتحدة الأميركية أقوى وأغنى دولة في العالم وكأنه "يعرف الماء بالماء"، حين تحول للتنظير، والتوصيف ورفض الاقتراب من الحلول والقرارات المنتظرة من رئيس أكبر دولة في العالم، الذي بضغطة زر منه تشتعل حروب وتندلع ثورات، وتنطلق حاملات الطائرات، والغواصات وتختفي دول، وتهتز حضارات، ولكن يبدو أن باراك أوباما يعمل جاهداً في نهاية ولايته الثانية على تأمين وظيفة مرموقة ومستقبل مضيء في إحياء الندوات، وإلقاء الخطب وتقديم المحاضرات.
ادعى أوباما في خطابه أن أميركا نجحت في طرد تنظيم القاعدة من أفغانستان وحققت أهدافها من غزو العراق، ولم يخبرنا بتداعيات الحرب على البلدين، ولا تأثيرها الكارثي على المنطقة ولا عدد الضحايا المدنيين، والواقع السيئ الذي تعيشه أفغانستان والعراق بسبب التدخل العسكري الأميركي، والذي لم تستطع الدولتان التخلص من لعنته حتى الآن، رغم مغادرة القوات الأميركية للبلدين والتي يعتبرها أوباما إنجازاً يحسب له.
يفخر أوباما أنه استطاع قتل ابن لادن والقضاء على خطر القاعدة في باكستان وأفغانستان، ولكنه يعترف بظهور فروع تابعة للتنظيم في اليمن والعراق والصومال وشمال إفريقيا، ولكن ظل خطرها محدوداً على المصالح الأميركية، متغافلاً الأضرار التي تعرضت لها الدول التي ظهرت فيها هذه الفروع، وبدا الأمر وكأنه لا يعنيه ما تقترفه هذه الجماعات الإرهابية من جرائم وحشية؛ طالما أنها وقعت بعيداً عن حدود أميركا.
تحدث أوباما عن إنفاق تريليون دولار على الحرب في العراق وأفغانستان، وعن 7 آلاف جندي أميركي قتلوا في ساحات القتال وآلاف فقدوا أجزاء من أجسادهم من أجل الدفاع عن أميركا وتأمين مستقبل أفضل للأطفال الأميركيين، ولم يتطرق لحجم الدمار والخراب الذي تركه التدخل الأميركي في هذين البلدين، ولا أعداد الضحايا الذين قضوا جراء القصف الأميركي، ولا الحال الذي آلت إليه الأوضاع المعيشية في البلدين، ولا عن مستقبل ملايين الأطفال الذين يعيشون في حالة من اليتم والفقر والمستقبل الغامض الذي لا يعلمه إلا الله بسبب أمن أميركا.
يرجع أوباما وجود القاعدة والجماعات الإرهابية في بعض المناطق؛ نتيجة تراجع هيبة الدولة وضعف الأنظمة في هذه الدول، وعجزها عن مواجهة التطرف والإرهاب وفي نفس الوقت نجد أميركا تساند الجماعات والميليشيات المسلحة في مواجهة الدولة السورية، ورغم فشل رهانات أوباما في سوريا، وصمود نظام الرئيس بشار الأسد والدولة السورية في وجه الميليشيات المدعومة من أميركا وقوى إقليمية عديدة ـ طوال السنوات الأربع الماضية ـ وإفراز الميلشيات المسلحة داعش وأخواتها، راح أوباما يتذكر الآن أهمية وجود دولة، ونفس الشيء حدث في ليبيا عقب إسقاط نظام القذافي، فسعت أميركا والتحالف الغربي، للقضاء على الدولة الليبية، وتدمير الجيش الوطني، وتركوا ليبيا في يد الجماعات المتطرفة المتناحرة، التي أفسحت المجال لداعش، وأنصار الشريعة وغيرهما.
وعندما اقتحم الغوغاء السفارة الأميركية في طرابلس وقتلوا السفير الأميركي، اكتفت أميركا بالثأر لسفيرها عن طريق عملية (كوماندوز) قامت خلالها بالقبض على "أبو ختالة" عضو جماعة أنصار الشريعة، وترحيله إلى واشنطن دون أن يؤرقها الوضع الأمني المتدهور في ليبيا، ومؤخرا فوجئنا بموقف فاتر لأوباما تجاه المذبحة البشعة التي ارتكبتها داعش ضد 21 عاملاً مصرياً بليبيا، وعدم ترحيبه بالغارة التي شنها الطيران المصري ضد مواقع التنظيم الإرهابي بليبيا، ورفض أوباما الاستماع للمطالب المصرية والليبية؛ برفع الحظر عن تسليح الجيش الليبي ليستطيع بسط سيطرته على الأراضي الليبية، وتطهيرها من الجماعات الإرهابية بل ما حدث هو العكس فقد استمعت أميركا لنصائح بعض أصدقائها في المنطقة بالانحياز لوجهة نظر الإخوان المسلمين (جماعة فجر ليبيا) المتحالفين مع أنصار الشريعة، والميليشيات الإرهابية والرافضين لعودة الجيش الوطني، أوعودة الدولة الليبية. تحدث أوباما عن تعاطفه مع الضحايا المدنيين لهجمات الطائرات بدون طيار التي يطلقها الجيش الأميركي في أفغانستان وباكستان واليمن والصومال، ولكنه اعترف بأنه بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة يوازن بين البعد الأخلاقي تجاه هذه الأرواح البريئة، والمكاسب العسكرية التي تحققها هذه الضربات، دون أن يخبرنا بجهود أميركا لتجنب قتل المدنيين أو التزامه بتقديم تعويضات للضحايا.
تحدث أوباما عن تمسكه باحترام القانون وضمان الحريات العامة، ومراعاة المعايير الدولية لحقوق الإنسان في الداخل الأميركي، وفي جميع أنحاء العالم، ولم يفسر لنا صمته على جرائم إسرائيل تجاه أطفال غزة، وجرائم الحرب التي ترتكبها حليفته المدللة يوميا ضد الفلسطينيين في القدس، والضفة الغربية، بل لم يخجل أوباما من إعلانها صراحة، بأن المحدد الرئيسي في علاقاته بدول المنطقة هو الحفاظ على أمن إسرائيل.
يفتخر أوباما بتدخل أميركا في الشؤون الداخلية للدول؛ عن طريق منظمات حقوق الإنسان، وتمويل منظمات مشبوهة، تنشر الثقافات والمبادئ وفقاً للنموذج الغربي، تحت ستار حرية الرأي والتعبير وتمكين المرأة وحماية الأقليات وفي نفس الوقت تدافع عن المثليين وحقوق الشواذ، وتغدق الأموال على أفراد وجماعات غوغائية لنشر الفوضى، وإسقاط الأنظمة، وزعزعة الأمن والاستقرار، وهدم مؤسسات الدولة من جيش وشرطة وقضاء؛ بحجة الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان.
تحدث أوباما عن ضرورة معالجة المظالم والصراعات التي تغذي التطرف والإرهاب في منطقة الشرق الأوسط، وذكر من هذه المشاكل الفقر والطائفية، وعدم قبول الآخر، ولم يتطرق للاحتلال الصهيوني لفلسطين، ولا الغزو الأميركي للعراق وأفغانستان؛ الذي يعد سبباً رئيسيًّا لانتشار العنف والاضطرابات، وظهور التطرف في المنطقة نتيجة الإحساس بالظلم، والقهر الذي مارسته أميركا وربيبتها إسرائيل؛ تجاه شعوب المنطقة طوال العقود الماضية، وأثر على خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية لدول المنطقة، وخلف أجيالاً يائسة، وناقمة على أوضاعها، وأنظمتها وعلى العالم أجمع.