إخوة الإيمان: توقف بنا الحديث في المرة السابقة ولم نكن قد انتهينا من المواطن التي ذكر الحق سبحانه وتعالى شهر رجب وحده، وإليكم ما بقي:
3ـ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَائِرَ اللَّهِ وَلاَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلاَ الْهَدْيَ وَلاَ الْقَلائِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُواْ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبَرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (المائدة ـ ٢)، يقول صاحب كتاب (الهداية الى بلوغ النهاية 3/ 1567):(وقوله:(لاَ تُحِلُّواْ) أي: لا تستحلوه بأن تقاتلوا فيه أعداؤكم، وهو مثل قوله:(قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ) (البقرة ـ 217)، وعُني بالشهر الحرام شهر رَجَب مُضَر، وكانت مضر تحرّم فيه القتال)، ويقول الطبري:(وأما (الشهر الحرام) الذي عناه الله بقوله:(وَلاَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ)، فرجب مُضَر، وهو شهر كانت مضر تحرِّم فيه القتال) (جامع البيان، ت: شاكر 9/ 466)، ويقول ابن عطية:(قال القاضي أبو محمد: والأظهر عندي أن الشهر الحرام أريد به رجب ليشتد أمره لأنه إنما كان مختصا بقريش ثم فشا في مضر، ومما يدل على هذا قول عوف بن الأحوص:
وشهر بني أمية والهدايا.. إذا حبست مضرجها الدماء)، قال أبو عبيدة:(أراد رجبًا لأنه شهر كانت مشايخ قريش تعظمه فنسبه إلى بني أمية ذكر هذا الأخفش في المفضليات)، وقد قال الطبري:(المراد في هذه الآية رجب مضر..) قال القاضي أبو محمد:(فوجه هذا التخصيص هو كما قد ذكرت أن الله تعالى شدد أمر هذا الشهر إذ كانت العرب غير مجمعة عليه) (المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز 2/ 146)، ويقول الواحدي:(كانت الحرب في الجاهلية قائمة بين العرب إلا في الأشهر الحرم، فمن وجد في غير الأشهر الحرم أصيب منه، إلا أن يكون مشعرًا بدنة، أو سائقًا هديًا أو مقلّدًا نفسه وبعيره من لحاء شجر الحرم، أو محرمًا بعمرة إلى البيت، فلا يتعرض لهؤلاء، فأمر الله المسلمين بإقرار هذه الأمنة على ما كانت عليه في الجاهلية لضرب من المصلحة إلى أن نسخها) (التفسير الوسيط 2/ 149)، ويقول صاحب (النكت والعيون 2/ 6):( لاَ تُحِلُّواْ شَعَائِرَ اللَّهِ) أي: لا تستحلوا القتال فيه، وفيه ثلاثة أقاويل: أحدها: أنه رَجَبُ مُضَر)، ويقول صاحب (التفسير الوسيط 4/ 26) قوله:( وَلاَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ) معطوف على شعائر الله، والمراد به الجنس. فيدخل في ذلك جميع الأشهر الحرم. وهي أربعة: ذو القعدة، وذو الحجة والمحرم، ورجب، وسُمّي الشهر حرامًا: باعتبار أن إيقاع القتال فيه حرام، وذهب الجمهور إلى أن ذلك منسوخ. وأنه يجوز ابتداء القتال في الأشهر الحرم، واحتجوا بقوله:(فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) والمراد: أشهر التسيير الأربعة. والخلاصة:(وفي المراد بالشهر الحرام ثلاثة أقوال: أحدها: أنه ذو القَعدة، قاله عكرمة، وقتادة. والثاني: أن المراد به الأشهر الحرم. قال مقاتل: كان جنادة بن عوف يقوم في سوق عكاظ كلَّ سنة فيقول: ألا إِني قد أحللت كذا، وحرّمت كذا. والثالث: أنه رجب) (زاد المسير في علم التفسير 1/ 508).
4ـ (لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى) (طه ـ ١٣١)، جاء في (تفسير ابن كثير 4/ 466):(عَنِ أَبِي رافع صاحب النَّبِيّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ: أضاف النَّبِيّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ ضيف، ولم يكن عند النَّبِيّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ شيء يصلحه، فأرسل إِلَى رجل مِنَ اليهود: يَقُولُ لك مُحَمَّد رَسُول الله: أسلفني دقيقًا إِلَى هلال رجب. قَالَ: لا، إلا برهن. فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فَأَخْبَرْتُهُ فقال: أما والله إني لأمين مِنْ في السَّمَاء وأمين مِنْ في الأَرْض، ولئن أسلفني أو باعني لأؤدين إليه، فلما خرجت مِنْ عنده نزلت هذه الآية:(وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا..) إِلَى آخر الآية، كأنه يعزيه عَنِ الدُّنْيَا).
5ـ (إِيلافِ قُرَيْشٍ، إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ) (قريش 1ـ 2)، يقول الفخر الرازي:(إنّ المراد رحلة الناس إلى أهل مكة فرحلة الشتاء والصيف عمرة رجب وحج ذي الحجة لأنه كان أحدهما شتاء والآخر صيفا وموسم منافع مكة يكون بهما، ولو كان يتم لأصحاب الفيل ما أرادوا لتعطلت هذه المنفعة) (مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير 32/ 297).



محمود عدلي الشريف
[email protected]