نعاود الحديث في قانون العمل العماني، استكمالا لأحكامه. ونخصص هذه المقالة لبيان موضوع في اعتقادنا - من أهم المواضيع ان لم يكن أهمها اطلاقا- التي تناولتها نصوص قانون العمل العماني بالتفصيل وهو الفصل التعسفي، والذي أصبح يتردد على أروقة المحاكم أكثر من السابق، كنتيجة منطقية بسبب زيادة عدد مؤسسات القطاع الخاص والذي قابله زيادة عدد العاملين في تلك المؤسسات وتقدر أنه لا يمكن الاحاطة بكل ما يتعلق به، ولكننا نحاول جاهدين بيان أهم أحكامه من خلال مفهومه، واذا وقع الفصل من المكلف بعبء اثباته؟
فمن حيث مفهوم الفصل التعسفي، فقد عرفه جانب من الفقه بأنه التصرف القانوني المنفرد الصادر عن رب العمل شفويا كان أو خطيا حتى يستلزم القانون ذلك والناقد بالتسلم". وفي اعتقادنا أن هذا التعريف للانهاء غير المشروع يأخذ بالمفهوم المضيق، لأنه لا يشمل بعض الحالات التعسفية الضمنية كالتصرفات التي يمارسها صاحب العمل تجاه العمل، والتي تدفع هذا الأخير الى ترك العمل، فقد يبدو ظاهريا أن العامل هو من ترك العمل بارادته. في حين البعض الآخر من الفقه عرف الفصل التعسفي بأنه "عيب ينصب على الغاية أو الفرض الذي يستعمل الحق من أجله، وذلك بافتراض توافر جميع أركان الحق بما في ذلك ركن السبب..." وباستقرائنا لنصوص قانون العمل العماني، نجد أن المشرع أخذ بالتعسف كقيد على انهاء عقد العمل وفصل العامل، أو بوقوعه مخالفا لنصوص القانون، وسواء أكان هذا العقد محدد المدة أو غير محدد المدة- وان كان في الواقع العملي- أن توافر الفصل التعسفي في العقود غير محددة المدة أكثر من العقود محددة المدة. وهذا ما تفيده صياغة نص المادة (32) من القانون والتي يجري نصها "... فاذا امتنع صاحب العمل عن ذلك اعتبر عدم اعادته فصلا تعسفيا..." وكذا هو الحال بما ورد بالمادة (106) من ذات القانون والذي جرى نصها على النحو التالي"... واذا تبين للمحكمة أن فصل العامل من عمله أو انهاء خدمته كان تعسفيا أو مخالفا للقانون فانه يجب عليها الحكم اما باعادة العامل الى عمله أو بالزام صاحب العمل بأن يدفع له تعويضا لا يقل عن ثلاثة أشهر يحسب على أساس آخر أجر شامل كان يتقاضاه، مع مراعاة ظروف العامل ومدة خدمته... " ويسير القضاء بهذا النهج من خلال المبادئ التي أرساها في هذا الشأن منها "يعتبر فصلا تعسفيا اذا رفض صاحب العمل اعادة العامل للعمل بعدما ثبت صلاحية العامل للعمل من خلال شهادة طبية حصل عليها في الميعاد كما حددته المادة (66) من القانون..." وقد سبق وأكدنا عند الحديث عن أثر الظروف الاقتصادية السيئة على المنشأة وكذلك انتقال ملكية المنشأة من صاحب عمل الى آخر أو تغير شكلها القانوني،، وخلصنا حينها أنه لا يؤثر ذلك على بقاء عقود العمل... وأن انهاء خدمة أحدهم لذات الأسباب يعد فصلا تعسفيا أو كما يطلق عليه البعض فصلا مبتسرا... ومما يجدر الاشارة اليه أن بعض التصرفات- وكما أسلفنا سابقا- يأتيها صاحب العمل تعد من قبل الفصل التعسفي "فاكراه العامل على الاستقالة بمثابة فصل تعسفي" وتكليف العامل بعمل يقل من عمله الأصلي من الناحية الفنية أو الأدبية يعد فصلا تعسفيا. وهذا ما أكدته المادة (31) من قانون العمل العماني... مجمل القول أن توافر التعسف ومداه والتعويض المقضى به من المسائل التي تختص به محكمة الموضوع متى أقامت قضائها على استخلاص سائغ... أما فيما يتعلق بالمكلف باثبات الفصل التعسفي أي من يقع عليه عبء اثباته، فانه طبقا للقواعد العامة يقع على عاتق من يدعيه، فالأصل أن صاحب العمل يستعمله استعمالا مشروعا، وعلى ذلك فان الاتجاه الغالب استقر على أن العامل الذي يدعي انهاء العمل بطريق تعسفية عليه تقديم الدليل على صحة ما يدعيه. هذا هو المنطق القانوني، الا أن القضاء استقر في قانون العمل على الزام صاحب العمل بتقديم مبررات الانهاء أمام محكمة الموضوع، حيث يجب عليه أن يبين ويفصح عن الأسباب التي قادته بأن يتخذ قرار انها خدمة العامل... فاذا لم يتمكن من ذلك قامت قرينة لصالح العامل على أن انهاء العقد وقع مبتسرا دون مبرر... واذا ذكر صاحب العمل سبب الفصل فليس ملزما اثبات صحة هذا السبب... وهذا ما يعرف توزيع عبء الاثبات. لمزيد من الايضاح يمكن الرجوع الى قانون العمل ومجموعة الأحكام الصادرة عن الدائرة العمالية بالمحكمة العليا،،،

سالم الفليتي
محام ومستشار قانوني
كاتب وباحث في الحوكمة والقوانين التجارية والبحرية
[email protected]