[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/khamis.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]خميس التوبي[/author]
لم تكن نسائم الديمقراطية الغربية على العرب والمسلمين التي تسوقها الماكينات الإعلامية الغربية ومعها بعض العربية تحت مجهر الوقائع كما تروج لها تلك الماكينات ومنابر الساسة الغربيين في ظل انفلات الإرهاب والفوضى من عقالهما، والاندفاع الصهيو ـ غربي نحو إلصاق تهم الإرهاب بالعرب والمسلمين للتغطية على منتجات الاستخبارات الصهيونية ـ الأميركية ـ البريطانية التي تغزو المنطقة اليوم لهدم الكيان الإنساني العربي فكرًا وثقافةً وعلمًا وتنميةً كمقدمة لهدم دول المنطقة، بالتعاون مع بعض المتمسحين بمسوح الإسلام والعروبة.
وعلى الرغم من الدور الذي لعبته السياسات والاستخبارات الغربية في تهديد الأمن والسلم الدوليين وإسقاط أنظمة وسفك دماء بريئة وتشريد شعوب ونهب ثروات خاصة في منطقتنا، فإن الغرب لا يزال يقدم نفسه على أنه واحة الديمقراطية التي تحترم حقوق الإنسان، وتضمن الحريات والعدالة والمساواة، وتحترم القوانين وتوقر القضاء وسيادته، في مقاربات ـ تموج بالمغالطات ـ حاول فيها المزج بين تلك المبادئ وإمكاناته العسكرية والاستخبارية والإعلامية.
لسنا بصدد تعداد ما يعتري أفق السياسة الغربية من مغالطات وانتفاخات وأورام جراء الازدواجية وسياسة الكيل بمكيالين ونفاق تسيطر على جميع مفاصلها وأوصالها، إلا أن الوقوف عليها وتفنيدها والرد عليها مسؤولية تقتضيها حرية الكلمة والانتصار للحق والخير والصدق والعدل والحقوق وأهمية احترام كل ذلك، لا سيما إذا كان متعلقًا بإنسان بريء ومغترب عن أوطانه طلبًا للعلم أو بحثًا عن رزق أو مأمن، وضرورة لا بد منها لتبصير عوام الناس وبعض مثقفيهم المنخدعين بالدعاية الغربية عن الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان والعدالة والمساواة وغيرها، فهذه لا يطبقونها إلا على أنفسهم وبينهم، وتختفي، بل تداس عمدًا حين يتعلق أمرها بغيرهم وكان مختلفًا عنهم، سواء من حيث الجنسية أو العرق أو اللون أو الدين والطائفة.
لقد كان صادمًا ما وجهته الشرطة البريطانية من إهانات لأربع طالبات عمانيات في مطار ستانستد لندن، حيث قامت الشرطة بتكبيل أيديهن ومعاملتهن معاملة غير لائقة، وكمجرمات أو إرهابيات، ومنعهن من التواصل مع السفارة العمانية في بريطانيا رغم طلبهن المتكرر لقسم الهجرة والجوازات البريطانية، وذلك بسبب تأخرهن عن الطائرة المتجهة من هولندا إلى بريطانيا صباح يوم الجمعة، ومجيئهن في رحلة أخرى صباح اليوم التالي.
نعم نحترم القوانين البريطانية المعمول بها، لكن حين يتم تجاوزها من قبل المكلفين بتطبيقها ليصار إلى حد امتهان كرامة هؤلاء الطالبات وابتذالهن والإقدام على إهانتهن أمام مرأى ومسمع العالم، لا لجرم ولا لعمل إرهابي يستدعي ذلك، وقبل مساءلتهن والتحقيق معهن ومعرفة أسباب تأخرهن، فضلًا عن نشر صورهن في مختلف وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي وما جره ذلك من تشويه وإهانة لهن ولبلدهن ولأسرهن ولمجتمعهن بأسره، فإن كل ذلك يعبر عن عدم احترام للاتفاقيات الموقعة بين السلطنة والمملكة المتحدة، وعدم احترام للعلاقات التي توصف بأنها متميزة. كما يعبر عن تمييز واضح في تطبيق القوانين، ما يؤكد ما ذكرته آنفًا أن الديمقراطية الغربية مصابة بالانفصام والعرج، والحريات وحقوق الإنسان والعدالة والمساواة شأن غربي خاص لا يطبقه الغرب إلا على رعاياه فقط.
على أن أسئلة كثيرة تفرض ذاتها أمام هذا الخرق البريطاني: ماذا لو كان هذا الفعل غير الأخلاقي والشائن في تاريخ "الديمقراطية البريطانية" قد حصل في بلادنا أو في غيرها من البلدان العربية والإسلامية وتمت معاملة مواطن بريطاني بالأسلوب ذاته أو أقل منه؟ ما ردة فعل الحكومة البريطانية؟ وما الإجراءات التي كانت ستتخذها لعدم تكرار مثل ذلك؟ لا شك أن المملكة المتحدة ستقيم الدنيا ولا تقعدها وستُقْدِم على خطوات تصعيدية جريًا على السياسة الغربية حين يتعلق الأمر باعتقال أو تعرض أحد الرعايا الغربيين للضرب أو الإهانة. وهل كان تأخر المسافرين عن رحلاتهم لظروف قد تكون خارجة عن إرادتهم شيئًا جديدًا بالنسبة لبريطانيا "العظمى" التي تتفاخر بأن لديها أكبر المطارات في العالم، ولم تعرف هذا الأمر إلا حين حصل لتلك الطالبات؟
من المؤكد أنهم يعلمون أن هذا لن يحصل في بلادنا لأن أخلاقنا تأبى أن تهان كرامة الإنسان، وأن يحط من قدره مهما كان جنسه أو جنسيته أو لونه أو عرقه أو طائفته ومذهبه، بل إن الرعايا الغربيين والآسيويين وغيرهم يعاملون معاملة المواطن، وينظر إليهم نظرة احترام وتقدير، والقوانين المعمول بها تنصفهم أولًا قبل المواطن إذا ما حصل خلاف ما بين مواطن ووافد.
إننا حين نطرق هذا الخرق المشين بوضع الطالبات عشرين ساعة في غرفة الاحتجاز ومن ثم نقلهن مقيدات إلى قسم الهجرة للعودة إلى هولندا، وتفتيشهن مجددًا، لم نعتد على شخصنة الأمور، بل إننا نهرب من أي مقاربة قد تتقاطع معها، ونحاول تجنبها متى ما استطعنا ذلك، لكن حين تخرج بعض المواقف عن سياقها القانوني والطبيعي، وتصبح على تنافر حاد مع البديهيات وأولوياتها، وعلى تضاد مع أبسط المسلمات ومعطياتها، يغدو الأمر حالة يستوجب التدخل لتصويبها ووضعها في نصابها الصحيح والعقلاني والمنطقي، وفي إطارها القانوني وبُعْدِها السياسي القائم على علاقات الاحترام المتبادل واحترام المصالح المشتركة، وعدم التدخل في شؤون الغير، خاصة إذا كانت هذه العلاقات تاريخية وطويلة وممتدة، وخاصة إذا كانت هذه العلاقات قد نسجت خيوطها وأرست ركائزها السياسة العمانية الحكيمة والعقلانية النابعة من الفكر المستنير والحكيم لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه.
المشكل أن هذا هو الغرب وهذه هي سياسته، مهما زايد بديمقراطيته وروج لها، فإنه لن يتغير ولن تتغير سياسته، لأن تكوينه النفسي والعقلي والفكري والثقافي قائم على احتقار الآخر لا سيما إذا كان عربيًّا أو مسلمًا، وأنه دونه ومسخر لخدمته. إنه تكوين مبني على المادية والحروب والاستعمار والتمييز، وحب المنفعة والمصلحة وتقديمهما على كل شيء، وفي سبيلهما مستعد للتضحية بمبادئه وأخلاقه وقيمه إن وجدت أساسًا. وبالتالي لا يؤمن بالضيافة وحق الضيف إلا بما يدفعه الضيف مقابل ضيافته للسياحة أو الدراسة.