أماط مرور سنة كاملة، من المواجهة الروسية الأطلسية في أوكرانيا، اللثام عن معطيات وحقائق لم تكن في الحسبان، بل وحتى ألغاز يصعب حلها، ألغاز غامضة بل هي ألغاز ربما لم تكن تخطر على بال أدهى العقول الاستراتيجية في العالم الغربي، ومن أهم هذه الألغاز: (1) الدعم الصيني المنقطع النظير لروسيا من خلال تزويدها بالسلاح والذخائر التي تديم الزخم العسكري الروسي في أوكرانيا؛ وهناك؛ (2) الدعم العسكري الإيراني لموسكو بالمسيَّرات.
أما تفسير المعطى الأول، أي الدعم العسكري الصيني لموسكو، فإنه لا بُدَّ أن يقع في سلَّة العداء الصيني ـ الأميركي المستعر؛ لأنه عداء مبني على التنافس الاقتصادي الذي أحرزت بكين فيه القدح المعلى على أرض الواقع. وأما بالنسبة لعداء الجمهورية الإسلامية الإيرانية لواشنطن، فلا جدال عليه؛ لأنه لا بُدَّ أن يصبَّ في الخوف الإيراني من تواصل الضغط الإسرائيلي الأميركي الذي يصبُّ في الخوف الإيراني من تواصل الضغط الإسرائيلي (اعتمادًا على واشنطن) ضد البرنامج النووي الإيراني، وهو البرنامج الغامض الذي يقض مضاجع الإسرائيليين على نحو جادٍّ، خصوصًا بعد عودة نتنياهو إلى سدَّة الحكم في تل أبيب!
بل، إن الحقائق المستجدَّة أعلاه ترسم خريطة صراع دولي من نوع جديد، وذلك بعد انحسار التنافس الأميركي الروسي الذي هيمن على مرحلة الحرب الباردة (بعد نهاية الحرب العالمية الثانية)، وذلك لصالح حرب باردة (عسكرية، واقتصادية) بين واشنطن وبكين، وهي حرب تكهرب المحيط الهادئ برمَّته الآن، خصوصًا مع الخشية من عملية عسكرية صينية ضد تايوان! وهنا، تدل المؤشرات على أن الصين تنضمُّ إلى موسكو على سبيل إضعاف عدوِّها رقم واحد، وهو الولايات المتحدة سوية مع دول حلف شمال الأطلسي. وفي ذات الوقت يقفز الخوف الإسرائيلي من البرنامج النووي الإيراني إلى رأس قائمة الصراعات الدولية؛ لأن طهران ترنو لإضعاف القبضة الأميركية ـ الإسرائيلية الضاغطة على برنامجها أعلاه، ناهيك عما يزعج الغرب بسبب تزايد تدخلاتها في شؤون دول الجوار الغنية بالنفط عبر الخليج العربي!
أما إذا ما أراد المراقب الفطن أن يتلمَّس خلاصات واقعية ليخرج بتوصيات ممكنة من أجل هذه «الشربكة»، فإنه لا بُدَّ أن يلج فضاء الخيالات والتكهنات غير المحدودة: فلا أحد يعرف بدقَّة كيف يفكر العقل المدبِّر في موسكو أو في طهران، ناهيك عما يتمُّ التخطيط له في واشنطن وبكين.


أ.د. محمد الدعمي
كاتب وباحث أكاديمي عراقي