فيما يسعى البعض إلى التقليل من تداعيات ومحاصرة ردود الأفعال الفلسطينية الغاضبة من المذبحة الكبرى التي ارتكبتها دولة الاحتلال الإسرائيليِّ في مدينة نابلس الفلسطينيَّة، وعلى رأسهم الحليف الأكبر للكيان الصهيونيِّ، وخروج الاجتماع الأمنيِّ الذي أقيم في مدينة العقبة الأردنية بعددٍ من النتائج، أهمها التأكيد على ضرورة الالتزام بخفض التصعيد على الأرض بَيْنَ الفلسطينيين والإسرائيليين ومنع المزيد من «العنف»، و(التشديد) على أهميَّة الحفاظ على الوضع التاريخيِّ القائم في الأماكن المقدَّسة بالقدس دُونَ تغيير، وتأكيد الطرفَيْنِ (الفلسطينيِّ والإسرائيليِّ) استعدادهما المشترك والتزامهما بالعمل الفوريِّ لوقف الإجراءات الأحاديَّة الجانب لمدَّة من (3) إلى (6) أشهر، ويشمل ذلك يشمل التزامًا إسرائيليًّا بوقف مناقشة إقامة أيِّ وحدات استيطانيَّة جديدة لمدَّة (4) أشهر، ووقف إقرار أيِّ بؤر استيطانيَّة جديدة لمدَّة (6) أشهر، وغيرها من النتائج التي خرجت من الاجتماع الذي هو الأوَّل من نوعه منذ عدَّة سنوات.
ورغم أنَّ الدوَل الَّتي اجتمعت في العقبة سَعَتْ إلى الوصول إلى تهدئة وإجراءات بناء ثقة، تكُونُ انطلاقةً لانخراط سياسيٍّ أشمل بَيْنَ الجانبَيْنِ، إلَّا أنَّ نيَّات دولة احتلال الإسرائيليِّ ـ كالعادة ـ ليست خالصةً، لدرجةٍ جعلت خبراء أميركيين يقلِّلون من النتائج التي خرج بها الاجتماع. فتلك الدولة المارقة تضرب دائمًا كافَّة الجهود في مقتل عَبْرَ استخدام كافَّة السُّبل الَّتي تعمل على توتير الأجواء والتصعيد المقصود، حتى وإنْ لبست قناع التهدئة، تحت ضغطٍ مؤقَّت، فالأحداث الَّتي تشهدها المناطق الفلسطينيَّة، منذ إعلان العقبة، لا تتوافق مع ما تمَّ الاتفاق عليه مطلقًا.
ومع الانفتاح الفلسطينيِّ نَحْوَ الحلِّ القائم على حقوقهم، والذهاب إلى العقبة لوضع حدٍّ لعدوان الاحتلال المتواصل على الشَّعب الفلسطينيِّ ومقدَّساته، والتأكيد على الثوابت الوطنيَّة الفلسطينيَّة، والمطالبة بوقف سياسة الاغتيالات والاقتحامات وتهويد القدس المحتلَّة والتوسُّع الاستيطانيِّ، والإجراءات الإسرائيليَّة الأحاديَّة، وغيرها من المطالب المشروعة التي ستطفئ أتون هذا الصراع الممتدِّ لعقودٍ طويلة، إلَّا أنَّ دولة الاحتلال الإسرائيليِّ تحكمها الآن حكومة، هي الأكثر تطرفًا وغطرسة، ويسيطر عليها اليمين الصهيونيُّ الأكثر رعونةً، تحمل مشروعًا يتمثل في فرض السيطرة على المسجد الأقصى، وضمِّ مستوطنات الضفَّة، وتهجير ما استطاعت من سكَّان الضفَّة والقدس وحتَّى فلسطينيي الـ48، ولا نعتقد أنَّها ستتخلَّى عن وعودها للمتطرفين الذين انتخبوها.
إنَّ الجهود التي بذلت في العقبة والتي تسعى إلى تقليل حدَّة الصراع في منطقتنا، خصوصًا مع الانشغال الأميركي بالوضع الدوليِّ الحاليّ، والأزمات السياسيَّة والاقتصاديَّة العالميَّة، تصطدم برؤية صهيونيَّة ترى الوضع الآن فرصةً مواتيةً لتحقيق مكاسب وفرض حلول أحاديَّة على أرض الواقع، وأكبر مزيدٍ على ذلك قانون الإعدام الجديد الذي أقرَّته دولة الاحتلال، والذي يتعارض مع حقِّ أبناء فلسطين المشروع في الذَّود عن أرضهم، كما أنَّها اتَّجهت منذ الاجتماع إلى المزيد من التوتر عَبْرَ الزيادة في الأعمال العدائيَّة كمًّا ونوعًا، سواء عن طريق جنودها أو قطعان مستوطنيها، ما يؤكِّد أنَّ دعوات التهدئة والاتفاقيَّات لا بُدَّ أنْ ترتبط بعقوبات، تُحاسب هذا الكيان الصهيونيَّ على جرائمه.