أعاد مخيم جنين، وعموم مخيمات الضفة الغربية، إلى الصدارة قضية الشعب العربي الفلسطيني، والعنوان الأهم بعناصرها، والمُتعلق باللاجئين الفلسطينيين وحقهم بالعودة رغم السنوات الطويلة من اللجوء والتشرد، داخل مناطق فلسطين 1967 وفي بلدان الطوق المحيط (سوريا ولبنان والأردن). وقد ثبت بالملموس أن أي تسوية أو لنقل عملية «سلام» في المنطقة، بقادرة على تجاوز قضية اللاجئين الفلسطينيين الذين يشكِّلون نحو65% من التعداد العام للشَّعب العربي الفلسطيني على أرض فلسطين والشتات. وليست بقادرة أيضًا على فرض منطق التوطين أو التهجير على أي لاجئ فلسطيني، فالحق لا يموت بالتقادم ولا يلغيه تجبُّر ظالم.
المخيم الفلسطيني، هو المخيم، يبقى العنوان الصارخ لحق العودة، فمنه ومن بين أزقته كانت الرصاصات الأولى بوجه الاحتلال، ومنه انطلقت مسيرة الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة، من مخيمات قطاع غزة، واليرموك في سوريا، وعين الحلوة في لبنان... فلا عجب أن نرى بوجود المخيم عامل قلق دائم لدولة الاحتلال «الإسرائيلي»، لذلك تم التآمر على المخيم الفلسطيني حين مُسِحَ مخيم النبطية جنوب لبنان عن الأرض عام 1974 بفعل غارات طيران الاحتلال، وتم ارتكاب الفظائع في مخيم تل الزعتر، وصبرا وشاتيلا، وصولًا لتدمير مخيم اليرموك عن بكرة أبيه، وهو أكبر تجمع للاجئين الفلسطينيين خارج فلسطين، ومنصَّة الانطلاقة للثورة المعاصرة.
كان وما زال المخيم الفلسطيني على الدوام العنوان الأول للاستهداف الدائم، فمخيم جنين صاحب النصيب الأكبر في الشهداء والإصابات، حيث بلغ عدد شهداء المخيم خلال العام الماضي 2022 على سبيل المثال، وحده (65) شهيدًا. وهو الرقم الأعلى بين شهداء فلسطين خلال العام المنصرم، حيث بلغ عدد الشهداء (230) شهيدًا، فيما بلغ عدد الشهداء الأطفال (59)، فيما استشهدت 16 امرأة وفتاة.
الصمود الأسطوري الذي يسطِّره أبناء مخيم جنين، اللاجئون بمعظمهم من قرى وبلدات مدينة حيفا المحتلة عام 1948، في القتال ضد قوات الاحتلال، وصد هجماتها، أعاد إلى الأذهان الصمود ذاته الذي كتبته مخيمات غزة في السنوات الأولى من احتلال عام 1967، ومخيمات الشتات الفلسطيني عبر المسيرة المعاصرة للثورة الفلسطينية منذ عام 1965.
لقد أيقظ مخيم جنين في الذاكرة الحية شريطًا طويلًا من التراجيديا الفلسطينية التي تكررت عبر صمود وبقاء، مقاومة واستمرارية بالرغم من التداعيات التي أصابت كل مرحلة من مراحل النهوض الفلسطيني خلال العقود الأخيرة، وهكذا تحوَّل مخيم جنين إلى علامة مضيئة في سماء فلسطين، وانغرس في الوعي الجمعي لجيل جديد يشق دروبه نحو الحياة تحت الشمس.
وبالطبع، إن تركيز قوات الاحتلال «الإسرائيلي» على المخيمات الفلسطينية، لا يقلل من حجم العدوان «الإسرائيلي» على باقي البلدات والمدن والقرى الفلسطينية، إلا أن المخيمات المكتظة باللاجئين الفلسطينيين المقيمين بالقرب من موطنهم الأصلي في الداخل يجعل من الحالة الكفاحية، والاستعداد للعطاء حالة مُتقّدة وبخاصة في ظل تسوية مختلة تحاول دولة الاحتلال في سياقها القفز عن حق لاجئي فلسطين في العودة وفق القرار الدولي 194 الصادر عام 1949.




علي بدوان
كاتب فلسطيني
عضو اتحاد الكتاب العرب
دمشق ـ اليرموك
[email protected]