المؤشرات السياسية هي مجموعة مؤشرات مهنية كمية تخصصية لقياس الأداء السياسي(1 ) للمؤسسات والقيادات والعمليات والتفاعلات السياسية(2 )، لذا تدخل هذه المؤشرات في صلب الأداء السياسي للنظام السياسي ككل، وتعمل على قياس وتقييم أداء جوانب الإصلاح والتطوير والتحديث السياسي.
يتكون النظام السياسي من مجموعة من العناصر المكوِّنة لنظام الحكم والتي تتشكل من علاقات متبادلة تؤدي في نهاية المطاف إلى مجموعة من المخرجات تختلف في خصائصها شكلا وحجما ووظيفة، تتضمن السُّلطة والحكم والنفوذ والقوة والتفكير والأُطر القانونية ومؤسسات السُّلطة، وعمليات صنع القرارات والسياسات العامة، والتفاعلات والأدوار المتداخلة والمتشابكة التي تتعلق بالتخصيص السلطوي للقِيَم، لذا تعمل تلك المؤشرات السياسية على تحقيق أهداف ووظائف النظام السياسي.
والسؤال الذي نطرحه هنا قبل التطرق إلى بعض تلك المؤشرات السياسية، هو: لماذا يجب أن تكون هناك مؤشرات سياسية حقيقية(3 ) لقياس أداء النظام السياسي؟ الجواب باختصار لأن عدم فهم وقياس تلك الممارسات والسياسيات والتفاعلات والعمليات للمؤسسات والأفراد سيؤدي ـ بلا شك ـ إلى تقويض شرعية السُّلطة مع الوقت، كما سيؤدي إلى عدم استقرار المؤسسات والذي سيؤدي بدوره إلى فشل السياسات العامة.
من أبرز تلك المؤشرات السياسية: مؤشر المساءلة العامة والذي يقوم على قياس (درجة انفتاح المؤسسات السياسية في البلد، درجة المشاركة السياسية ونوعيتها(4 ) درجة الشفافية ومدى القبول الذي تحظى به الحكومة لدى الشعب. درجة المساءلة السياسية).
ـ مؤشر جودة الإدارة والذي يقوم بقياس (درجة الفساد، نوعية الإدارة، حقوق الملكية، الإدارة المالية، تخصيص الموارد، احترام وتطبيق القانون، السوق الموازي).
أما بالنسبة للمؤشر السوسيو-اقتصادية فهو يقوم على قياس (التربية: الوصول إلى الحاجات القاعدية ودور المرأة، الاقتصاد: النمو، التبعية المالية للموارد الخارجية ـ القدرات البشرية والاستدامة. ـ الموارد الطبيعية والتوجُّهات في مجال البيئة ـ التنوُّع الثقافي والديني والقِيَمي، الهياكل، الصراعات، استقطاب الوسائل الداخلية).
وتدخل المؤشرات السوسيواقتصادية كجزء من اتجاهات وسياسات الإصلاح السياسي، لأنها لا تعمل على جوانب الاقتصاد البحث بقدر ما تقوم على جوانب الفكر والتنمية والإصلاح الاقتصادي والذي كما سبق وأشرت في دراسات أنه (أي الاقتصاد) مرآة عاكسة للنظام السياسي.
بالعودة إلى وثيقة رؤية عُمان 2040 نجد أن لهذه المؤشرات السياسية مكانا طيبا وملاحظا، كما هو الحال مع الأولويات مثل التركيز على المواطنة والهُوِيَّة والتراث والثقافة الوطنية وأولوية الرفاه والحماية الاجتماعية والقيادة والإدارة الاقتصادية وحكومة الجهاز الإداري للدولة والموارد والمشاريع والتشريع والقضاء والرقابة.
وأختم هذا الطرح بكلمة لرئيسة وزراء نيوزيلندا السادسة والثلاثين جيني شيبلي «إن أمامنا الشيء الكثير لنفعله، وما من حكومة، وما من اقتصاد يستطيع الوقوف ثابتا، لن تتوقف إعادة ابتكار الحكومة، يجب أن تستمر، وتطالب إلى الأبد بقواعد قياس جديدة للأداء لتحديد القيمة والتحسين للناس».
لذا إن كان من توصيات في هذا السياق فهي أهمية تطوير وثيقة الرؤية، وإعادة النظر في أولوياتها ومؤشراتها كل فترة من الزمن بما يواكب التطورات الحاصلة في البيئة الوطنية والدولية، يضاف إلى ذلك أهمية تعزيز وتمكين القِيَم السياسية الأربع وهي: العدل والشورى والمساواة والحرية، بالإضافة إلى أهمية وضوح مؤشرات (تمكين) درجة التنمية والتنشئة والثقافة والمشاركة السياسية للمجتمع في الحياة الاجتماعية والسياسية الوطنية والدولية بما يحقق الخصوصية السياسية الوطنية من المعارف والقِيَم والاتجاهات السياسية، وجميع تلك المؤشرات تدخل في الهدف الأعلى للرؤية في سياق آليات تنمية المجتمع المدني وتفعيل دوره في الحياة الوطنية.





ــــــــــــــ
مراجع
1 ـ - فالأداء السياسي هنا يقصد به أداء تلك الشريحة من الناحية السياسية، الفاعلية، الأثر السياسي على النظام والمنظومة، الفهم السياسي والتأثير في التنمية السياسية والوعي السياسي للمجتمع، التأثير في الثقة السياسية. القدرة على فهم العملية السياسية وأهداف النظام السياسي، التأثير في الرأي العام السياسي، بل يتجاوز ذلك إلى تحليل الخطاب الصادر عن تلك الفئات والموجه للمستفيدين، ليصل إلى تحليل لغة الجسد وحركاته أثناء تلك الخطابات. المرجع: بحث غير منشور للكاتب تحت عنوان: الإصلاح السياسي وبناء الدولة الحديثة، دراسة تسلط الضوء على الوظيفة السياسية للحكومة ودور الأدوات السياسية في تحسين أداء الأجهزة والمؤسسات العامة مع دراسة لنموذج الأدوات والاتجاهات المشابهة في رؤية سلطنة عمان لعام 2040.
2 ـ - من أبرز التفاعلات السياسية الرأي العام، وقد ضعت لذلك معايير وقياسات معينة في بحث موجز لي تحت عنوان: سيكولوجيا الجماهير ومعايير تقييم الأداء الإداري للمؤسسات الرسمية، يقوم هذا التقييم الذي يحتاج إلى بعض التطوير بوجه خاص على قياس مدى فاعلية القرارات الحكومية وقياس مدى الفاعلية الجماهيرية مع تلك القرارات. المرجع مؤلفي: الدولة المطمئنة في الألفية الثالثة، مكتبة الضامري/ مسقط، ط1/2015، ص 292-296
3 ـ - تم وصفها بالمقاييس الواقعية أو الحقيقية لأنه وللأسف الشديد يلجأ العديد من صانعي السياسات إلى مؤشرات غير دقيقة، بل ومخطئة من الوجهة العلمية، بهدف «تعظيم إنجازهم في شكل هو أقرب بكثير إلى الدعاية الشعبية منه إلى التقييم الفعلي للسياسات. وتساعد البنية الإدارية المعقّدة وغياب المعلومات المفيدة والحديثة حول تكاليف وتداعيات السياسات العامة ونتائجها إلى تشتّت المسؤولية وتبديد الموارد المحدودة للدول» المرجع: أ.د. بلال شحيطة ود. جومانا كيال، رقة منشورة في كتاب أعمال مؤتمر الأمن المجتمعي والجماعي في الوطن العربي تحت عنوان: صنع السياسات العامة في دول الخليج العربي، ص 11، تاريخ الدخول 3 مارس 2023، على الرابط: https://jilrc.com/archives/12827
4 ـ - المشاركة السياسية وعلى سبيل المثال تعد مؤشرا تفاعليا لصحة العلاقة بين المجتمع والدولة. فبقدر ما تكون الدولة تعبيرا أمينا عن مجتمعها، تزداد المشاركة السياسية السلمية المنظمة لأفراد المجتمع في الشؤون العامة، سواء بصفتهم الفردية أم الجماعية، أو من خلال مؤسساتهم الطوعية» إسماعيل علي سعد، مقدمة في علم الاجتماع السياسي (الإسكندرية: دار المعرفة الجامعية، 1987)، ص 363.





محمد بن سعيد الفطيسي
باحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية
رئيس تحرير مجلة السياسي – المعهد العربي للبحوث والدراسات الاستراتيجية
[email protected]
MSHD999 @