أضحت علوم الإدارة الحديثة أحَدَ أهمِّ الأركان الأساسيَّة التي تهتمُّ بها الدوَل وتسعى إلى إكساب مهارتها لكوادرها الوطنيَّة؛ نظرًا لقدرة هذه العلوم الحديثة على الاستفادة من الموارد البَشريَّة والماديَّة بكفاءة عالية وفاعلة، فنجاح الخطط والبرامج التنمويَّة بكافَّة قِطاعتها الاقتصاديَّة منها والاجتماعيَّة، وتحقيق أهدافها، يرتبط دائمًا بحُسن استخدام الموارد المتاحة الماديَّة والبَشريَّة. كما أنَّ العلوم الإداريَّة الحديثة تركِّز باهتمام على إيجاد الطريقة المُثلى لإنجاز الأعمال الموكلة للأيدي العاملة لتحقيق الأهداف المنشودة للمؤسَّسات والدوَل على أكمل وجْه، لذا تعمل معظم الدوَل السَّاعية للتقدُّم والنهوض على إيجاد منظومة أكاديميَّة ترفد الجهاز الإداريَّ للدولة والقِطاع الخاصَّ بكوادر قادرة على تحسين الجودة الإداريَّة في كافَّة المؤسَّسات والقِطاعات الحكوميَّة منها والخاصَّة.
ومن هذا المنطلق، حرص حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم ـ حفظه الله ورعاه ـ منذ تَولِّيه مقاليد الحُكم على تحديث الجهاز الإداريِّ للدولة، وتعهَّد جلالته بالعمل على اتِّخاذ الإجراءات اللازمة لإعادة هيكلة الجهاز الإداريِّ للدولة، وتحديث منظومة التشريعات والقوانين، وآليَّات وبرامج العمل وإعلاء قِيَمه ومبادئه، وتبنِّي أحدث أساليبه وتبسيط الإجراءات وحوكمة الأداء والنزاهة والمساءلة والمحاسبة؛ لضمان المواءمة الكاملة والانسجام التَّام مع متطلبات الرؤية السَّامية لتجديد عهد النهضة المباركة وأهدافها. وكان الإعلان عن إنشاء الأكاديمية السُّلطانية للإدارة نقطة الانطلاق نَحْوَ تحديث وتعميق القدرات الإداريَّة للكوادر الوطنيَّة؛ لتفرز قيادات حديثة قادرة على مواكبة متطلبات المستقبل، وتعمل على تحقيق خططه وأهدافه، وعلى رأسها رؤية عُمان 2040، بكفاءة ونزاهة وشفافية.
إنَّ تفضُّل جلالة القائد المفدَّى لِيشملَ برعايته السَّامية افتتاح الأكاديميَّة السُّلطانية للإدارة، في حيِّ الوزارات بالخوير، تأكيد على هذا التوجُّه السَّاعي لإحداث نهضة إداريَّة كبرى، تقود البلاد نَحْوَ ما تستحقُّه من مكانة إقليميَّة وعالميَّة مرموقة، حيث تفضَّل جلالةُ السُّلطان المُعظَّم ـ أيَّدهُ الله ـ بوضع مفتاح رمزيٍّ على بوَّابة مستوحاة من حاضر عُمان الزاهر، ومُستلهمة من خطابات جلالتِه المُشجِّعة على الانفتاح على العالم مع التمسُّك والاعتزاز بالهُوِيَّة والقِيَم العُمانيَّة، لِيكُونَ هذا الافتتاح الرمزيُّ إيذانًا بافتتاح الأكاديميَّة، التي عكست نقوش البوَّابة الرمزيَّة هُوِيَّة الأكاديميَّة السُّلطانية للإدارة التي تمزج بَيْنَ الإرث العريق والمستقبل الواعد باستخدام الشكل الرئيس لبوَّابة قصر العَلَم العامر بصفته الواجهة القياديَّة لسلطنة عُمان، لِتكُونَ رمزيَّة لمستقبل إداريٍّ يهتمُّ بالعلوم الإداريَّة الأحدث في العالم، من منطلق وطنيٍّ يتعزُّ بالهُوِيَّة الوطنيَّة.
إنَّ المبنى الحديث للأكاديمية الذي قام جلالةُ السُّلطان المُعظَّم بجولة شاملة في أروقته مستمعًا ـ أعزَّهُ الله ـ إلى موجز عن المبنى الذي تمَّ تصميمه بناءً على أعلى المعايير التي تُلائم الدَّور المحوريَّ للأكاديميَّة؛ رُكِّز فيه على توفير بيئة عمل وتعلُّم مُلهِمة تُحفِّز الإبداع والتفكير وتبادل المعرفة، وتُعزِّز تجربة التعلُّم والابتكار. ولعلَّ الهديَّة التذكاريَّة التي تفضَّل جلالته بتقبُّلها في ختام الزيارة، وهي عبارة عن تحفة فنيَّة تُعبِّر عن انفتاح متوازن على العالم، ومصنوعة من خشب الجوز وخشب السبيلي والرخام العُماني الخالص، يقابلها مفتاح فضيٌّ يُحاكي هُوِيَّة الأكاديميَّة ويدلُّ على عبور المستقبل بثقة وعزم، تعكس القوَّة والتأثير، وتجسِّد الحكمة والإحكام والرؤية والتواصل بصياغة عُمانية أصيلة.
إذًا الآمال عراض، والطموحات كبيرة معقودة على نواصي هذه الأكاديميَّة المرموقة لتظلَّ واحةَ عِلمٍ ومعرفة، وأداةَ بناءٍ للقدرات والمهارات، لِتمْضيَ سفينة التنمية والخير في هذا الوطن العزيز.