تُمثِّل القوة الناعمة، التي تمتلكها الدول على اختلافها، قدرتها على التأثير في الآخر خارج حدودها، ما يعطيها سمعة طيبة تساعدها على إقامة علاقات دبلوماسية واقتصادية قادرة على تلبية الاحتياجات التنموية، التي تنطلق بها نحو تحقيق التنمية الشاملة المستدامة، فقد أكد العلماء أن تلك القوة الناعمة تشكِّل سلاحا مؤثرا يسعى إلى تحقيق الأهداف عن طريق الجاذبية بدلًا من الإرغام، أو دفع الأموال، وأنها في في جوهرها قدرة أمَّة معينة على التأثير في أمم أخرى وتوجيه خياراتها العامة، وذلك استنادًا إلى جاذبية نظامها الاجتماعي والثقافي ومنظومة قِيَمها ومؤسساتها، لذا شكلت القوة الناعمة بكافة صورها وأنماطها هدفا تسعى معظم الدول إلى تحقيقه؛ لما يُمثِّله من مردود على كافة أصعدة النهوض الوطني.
ومن خلال تعايشي مع النموذج العُماني الحداثي، الذي حرص خلال عقود نهضته المباركة على رسم صورة ذهنية شديدة الخصوصية، لكل مَن تعامل معه، نموذج اجتماعي يستوعب الاختلافات ويحترمها، مؤسس على نظم راسخة من العدالة والمساواة، محكومة بقواعد نموذجية مزجت بين القِيَم العُمانية الموروثة، وبين معطيات العصر، ومعتمدة على سياسة خارجية تتجنب الصراعات، وتسعى لإقامة تعاون يحقق أهداف التنمية، ويحترم خصوصية الغير، ويرفض التدخل في شؤونه، ولن نبالغ إذا أكدنا دورها الفاعل إقليميا وعالميا في تقليل الفجوات بين المتصارعين، وكم من قضايا مزمنة كانت الدبلوماسية العُمانية بوابة حلها. باختصار، فقد استطاعت سلطنة عمان رسم نموذج وطني، خلق قوة ناعمة في محيطها الإقليمي والعالمي، جعلها محل احترام وتقدير الجميع.
ومن هذا المنطلق، فليس من الغريب إحراز السلطنة تقدمًا في مؤشر القوة الناعمة العالمي وفقًا لتقرير مؤسسة براند فاينانس البريطانية لعام 2023م، وتم منحها الميدالية الفضية، متفوقة على العديد من الدول الكبرى، حيث أوضح التقرير أن سلطنة عُمان حلَّت في المركز الـ٤٦ عالميًّا محققة ٤٠.٧ نقطة، كما تقدم تصنيف السلطنة في العديد من المحاور، حيث تقدمت ٢٨ مركزًا في محور الشَّعب والقِيَم وجاءت في التصنيف الـ٢٩ عالميًّا، وتقدمت ٢٤ مركزًا في محور الثقافة والتراث وجاءت في التصنيف الـ٦٢ عالميًّا، كما سجلت أيضًا تقدمًا بـ١٩ مركزًا في محور التعليم والعلوم وجاءت في التصنيف الـ٣٦ عالميًّا، و١٣ مركزًا في محور الإعلام والاتصال لتتبوأ التصنيف الـ٤٦ عالميًّا، كما تقدمت ٣ مراكز في محور العلاقات الدولية، وجاءت في التصنيف الـ٣٥ عالميًّا، وتقدمت مركزًا واحدًا في الأعمال والتجارة لتتبوأ المركز الـ٣٩ عالميًّا. إن تلك الأرقام تعكس أن النموذج النهضوي الذي حرص على تطبيقه العُمانيون قيادة وشعبًا، قد لاقى قبولا إقليميا وعالميا، قبولا يمكن أن تلحظه في تأثير الموروثات العُمانية سواء في الزي أو المطبخ العُماني، بالإضافة بالطبع لما أسلفنا ذكره عن التأثير الدبلوماسي. فمثلا في بلدي مصر عندما أتحدث عن إقامتي في سلطنة عُمان فترة طويلة، أجد محدثي يشيد بأخلاق وميزات أبناء عُمان وقيادتها، ليؤكد بالفعل أن لعُمان قوة ناعمة رسمت صورة ذهنية فضلى، وأن تلك القوة الناعمة تعتمد في الأساس على الأخلاق العُمانية الراسخة في نفوس أبناء عُمان، فالمواطن العُماني بات سفيرا بما يملكه من حميد الأخلاق، محققا قوة ناعمة عجزت عن تحقيقها دول تمتلك أذرعا إعلامية وقدرات اقتصادية وعسكرية كبرى.



إبراهيم بدوي
[email protected]