قال ربُّ اَلعِزة سبحانه وتعالى:(أفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ)(الغاشية ـ 17)، فهذه دعوة من رب العزة والجلال سبحانه وتعالى إلى التفكر والنظر في هذا المخلوق الذي نراه بأعيننا البسيطة بسيطًا، لكن الله سبحانه وتعالى يدعونا إلى التفكُر، لِندْرك حينها كم أن في الإبل من علامات ودلائل على عظمته سبحانه وتعالى، وأنه ليس بتِلك البساطةِ التي تراه بها أعيُننا.
اُنظُر أيها الإنسان، كيف خلقها الله بهذا الشكل، وهذه الصفات؟!، وكيف سخَّرهَا لك على الرغم من ضخامتها وقوتها؟!، بل وكيف ذلَّلهَا لك، وأنت الضعيف مُقَارنَة ببأسِها، الصغير مُقَارنَة بِحجْمِهَا؟!، فصِرت أنت الذي تأمرها وتحكمها، رغم أنها التي تملك القُوَّة الأكثر، والحجْم الأَكبَر. قال تعالى:(وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ)(يس ـ 72).. نعم ذلّلها الله لك أيها الإنسان رغم ضعفك وهنا عِبرة وعظة وتفكر وتأمل.
كل هذا بأمر ربك الذي قال في كتابه العزيز تدليلًا على عظمته وقدرته:(إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ)(يس ـ 82).
إن النظر في الأبل يُنتِج معرفة عظيمة بقدر إبداع الخالق، سبحانه وتعالى، فكيْف خلقهَا بِهَذه اَلجُثة الضَّخْمة العظيمة، وهذه القوة الكبيرة، وهذه القدرة الخارقة على تحمل الجوع والعطش، والكدح والصبر في الأحوال السيئة؟!، سبحان الله.
ونُزيد فِي التَّأَمُّل ونُطيل فِي النَّظر، نحن بني الإنسان، لنجد عظمة الله التي لا حدود لها في خلقه، ونرى ما أرادنا سبحانه وتعالى أن نراه، عندما أمرنا بالنظر، فنرى هذا الكائن المهيب وعلى الرغم ما فيه من كل إِمارَات اَلقُوة والشِّدَّة، وقد ذُلِّل خاضعًا لَبنِي آدم، ومشى مستكينًابين أيديهم، وبرك وقام ووقف بأمرهم وهم أضعف منه في الحجم، وأقل منه في البُنيان، وأكثر منه عجزًا في مجال الصبر على مَشَقات الجوع والعطش، سبحان الله.
أطِل النظر أكثر يا إنسان، لترى تلك التفاصيل الكثيرة، التي تُدلِّل على عظمة الخالق وقُدرته، فترى هذا المخلوق الذي قُدِّر له أن يعيش حياته كلها وَسطَ رِمال الصحراء، وقد أمده الله بطبقتين من الرموش الكثيفة الطويلة، وطبقتين من الجُفون المحكمة، التي تنغلق على بعضها البعض فتصيرُ قلعة حصينة لعين الجمل، حتى لا تؤذَى بدخول الرِمال إليها، سبحانه الخالق خلقَّكِ أيتُها الإبل لمهمًة محددة، وأمدَّك بما يُعِينُكِ تمامًا على تنفيذها، بِلا مشقة ولا ضرر.
تأمل يا إنسان كيف يتكفل ربَك بتلك التفاصيل البسيطة، ويُلبِّي تلك الحاجات لمخلوقاته ويَحميِها؟!.
ما أشد حماقة الإنسان الذي عصى أمر ربه وامتنع عن النظر، وما أجمل رجاحة عقل من امتثل لأمر ربه وفطِّن، فينتبه لهذا الإعجاز العظيم في خلق هذا الحيوان، ويُدرِك أن أي إدعاء بكون هذا الخلق من صُنع الطبيعة أو الصُّدْفة هو محض إفتراء، لا يخرج إلا من عقول الأغْبياء، الَّذين تحدث عنهم رب العزة في كتابه قائلًا:(خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)(البقرة ـ 7).
أطِع يا إنسان، وانظُر وتأمل، لتَفطِن وتعرِف، وتؤجر وتُثاب، وتؤمن، وتزداد يقيناً وتكمُلُ إيمانًا، وتأخذ من فضل الله الذي يُعطِي فضلَه بِلا حدود. تدبَر فالتدبُر واجب، وتأمَل فـالتأمُل عبادة، دعِّم إيمانك ويقينك بالتدقيق في آيات الله البينات، وفي معجزاتِه المُحكمات، واعترف لله بما علمت عنه من فضل، وتعَّبد له كما أمرك بتِلاوة والتفكر في آياته المُعجِزات.



حسين بن علي السرحاني
كاتب عماني
hussein_alsarhani@