لَمْ يَعدْ خافيًا على أحَدٍ أنَّ المجرم الحقيقيَّ في الجرائم التي ترتكب في الأراضي الفلسطينيَّة المحتلَّة، أو على الأقلِّ الشريك في تلك الجرائم، هو الصَّمتُ الدوليُّ عليها، وعدم محاسبة دولة الاحتلال الإسرائيليِّ على جرائمها المتواصلة، وحالة القمع والإرهاب التي تمارسها ضدَّ كُلِّ ما هو فلسطينيٌّ بشَرًا كان أو حجرًا. فالصَّمتُ رضا، وعدم المحاسبة أداةٌ تُعزِّز القتل، وتجعل القاتل غير مبالٍ بجرائر جرائمه، ويجعله يتمادى أكثر وأكثر، وهو ما يحدث في الأراضي الفلسطينيَّة. فالمُجتمع الدوليُّ لا يتحرك إلَّا إذا جاء ردُّ الفعل الفلسطينيُّ المشروع، حيث نجده يهبُّ ويدعو الطرفين لضبط النَّفْس، في مأساة كوميديَّة تساوي بَيْنَ الضحيَّة والجلَّاد، أمَّا تواصل الاعتداء على أبناء فلسطين فإنَّ المُجتمع الدوليَّ لا يكلِّف نَفْسَه حتَّى عناء بيانِ شجْبٍ أو استنكار.
إنَّ مجزرة جنين التي راح ضحيتها (6) ستة شهداء وأصيب (26) ستة وعشرون آخرون بالرصاص الحيِّ، بَيْنهم ثلاث إصابات وُصِفت بالخطيرة، لَهِيَ أبسطُ ردٍّ على المُراهنين على نجاح اجتماعاتهم الخاصَّة بالشَّأن الفلسطينيِّ ـ الإسرائيليِّ، لِتؤكِّدَ دولة الاحتلال عدم الالتزام بأيِّ اتِّفاق ذي علاقة بالصراع، وأنَّها شريك لا يرغب في السلام، وأنَّ التفاوض معها مجرَّد هدر وقتٍ، يسعى ذلك الكيان الغاصب من خلاله إلى كسب مزيدٍ من الوقت لتحقيق أهدافه التي باتت معروفة للقاصي والدَّاني، كما يُعدُّ هذا العدوان الأخير أصدق تعبير عن النهج الدمويِّ لحكومة الاحتلال المأزومة التي تسعى من خلال إراقة دماء أبناء الشَّعب الفلسطينيِّ إلى تصدير أزماتها الداخليَّة.
إنَّ هذا الصَّمتَ الدوليَّ يَجِبُ أنْ ينتهيَ بأسرع وقت؛ حمايةً للسلام والأمن العالميِّ، فالمُجتمع الدوليُّ مطالب بالتدخُّل الفوريِّ، وكبح جماح إرهاب منظومة الاحتلال المتواصل بحقِّ أبناء فلسطين، قبل أنْ تتأزمَ الأمور وندخلَ في دائرة من العنف سوف يدفع ثمنها الجميع. ومحاسبة الاحتلال على جرائمه ليس لها بديل، فهي (المحاسبة) الأداة الوحيدة لوقف حالة الإرهاب الإسرائيليِّ المتعمد والتي تقود الأوضاع نَحْوَ تفجُّر لا يُحمد عقباه. لذا فعلى المُجتمع الدوليِّ التحرك العاجل لوقف الاعتداءات الإسرائيليَّة وتوفير الحماية للشَّعب الفلسطينيِّ ومساءلة دولة الاحتلال الإسرائيليِّ عن جرائمها المروِّعة في الأراضي الفلسطينيَّة المحتلَّة، وإلا سيكُونُ شريكًا ومشجِّعًا لذلك الكيان الصهيونيِّ الغاصب، فالصَّمتُ ضوء أخضر لمواصلة المزيد من الجرائم.
ومع هذا الصَّمت المطبق، ستواصل دولة الاحتلال الإسرائيليِّ عمليَّات الاغتيال اليوميَّة التي تقوم بها ضدَّ أبناء فلسطين، والتي كان آخرها ما جرى في مخيَّم جنين، وقصف منازل الفلسطينيين بالصواريخ والقذائف المتفجرة، ما يؤكِّد أنَّها حرب شاملة وتدمير لكُلِّ شيء، وتُشكِّل تصعيدًا خطيرًا يُنذر بتفجُّر الأوضاع وتدمير كُلِّ الجهود الرامية لإعادة الاستقرار، كمَا يؤكِّد سَعْيَ حكومة الاحتلال الإسرائيليِّ لإفشال جميع الجهود الإقليميَّة والدوليَّة الرامية لوقف جميع الأعمال أحادية الجانب، التي يصرُّ الجانب الإسرائيليُّ على الاستمرار بها؛ للتهرُّب من التزاماته، كمَا أنَّ الأحداث الجارية أثبتت أنَّ حلَّ القضيَّة الفلسطينيَّة وفق الشرعيَّة الدوليَّة والقانون الدوليِّ، وإعطاء الشَّعب الفلسطينيِّ حقَّه في الحُريَّة والاستقلال، هو المفتاح الحقيقيُّ لحلِّ أزمات المنطقة وإعادتها نَحْوَ الاستقرار.