عرض ـ محمد عبدالصادق:
صدر حديثا ديوان شعري لحمد بن محمد الراشدي، الناشر بيت الغشام للطباعة والنشر والإعلام، عدد صفحات الكتاب 195 صفحة من القطع المتوسط، تصدره غلاف أنيق يصور ظلال النخيل وحفيف الأشجار وقت الغروب، يهدي الشاعر ديوانه إلى كل محب للكلمة شعرا، والبيان سحرا، والقصيدة خلالا، والحياة ظلالا، ويصف الراشدي ديوانه بأنه سبْحٌ شعري إيماني في الملكوت الأعلى؛ من خلال تناوله لأسماء الله الحسنى، متبوعة بوقفات في الدعوة المحمدية ورسالة الإسلام، عند انطلاقتها على يد رسول الإنسانية محمد بن عبدالله، وقصائد في وصف الوطن وأمجاده ورواده، وتحليق في سماء الحياة عبر سنين مضت، وومضات من دروس العمر وتجاربه، وتشخيص لألوان الطيف والجهد الإنساني، والتفاتاته وهو يسعى من أجل العبور الآمن.
يبدأ الديوان بمقدمة شعرية بعنوان فؤادك يرعى، ينشد فيها مفردات صوفية مناجاة بين الإنسان والكون؛ النجوم والبحار، والضفاف والسواقي، مستخدما بحر المتقارب، وحرف العين قافية، ولوع الشموع، خشوع تطيع، بديع، النقيع يقول فيه:
فؤادك يرعى النجوم ولوع
وبين يديك تنير الشموع
وقلبك يتلو صلاة الحيارى
وفي السر منه دعاء خشوع
أراك تنادي البحار امتدادا
إلى حيث تأتي الحياة تطيع
تبوح القوافي كفيض الضفاف
وتجري السواقي ويصفو النقيع
ثم ينتقل إلى همزية الأسماء الحسنى، وعروضها من بحر الكامل، وقافية الأبيات حرف الهمزة سناء، أضواء، إملاء، وضياء. إلخ، يقول فيها:
عظمت لهديك طاعة ودعاء
وعلا لنورك في السماء سناء
ألاّيُ جاءت قد تعالى حرفها
وربي العوالم كلها أضواء
جبريل يُزجيها لمن قُسمت له
وحياً وتنزيلا فلا إملاء
في صدر يحفظها الرسول محمدُ
مختار ربي للهدى وضياء
ومن ثم، يفرد لكل اسم من أسماء الله الحسنى بيتا يعبر عن مدلوله لدى الشاعر، فيصف اسم الله بقوله:
حُسنت وأحيت للوجود عقيدةً
الله أولها وجل علاه
وعن الرحمن يقول:
وهداية الرحمان لا حُدت ولا
لمن ابتغى نورا ـ لها إبطاء
وعن الرحيم يقول:
وهو الكفيل برحمة لعباده
ما غيرها للعالمين رجاء
وعن الملك يقول:
ملك الملوك ومن عظيم ملكه
سجدت له الجبهات والأشياء
وينتهي من سرد الأسماء الحسنى، ولكن تستمر رحلته مع الهمزية فيقول:
يارب أنت الله لا معبود إل
لا أنت نحن على الحياض ظماء
ولقد أتيت إليك ملتمسا على
شغف ستارا للعيوب غطاء
أسماؤك الحسنى هنا سطرت لها
لُطف يُرام بنظمها إرضاء
ولقد قصدت رضاك فاكتب رحمةً
فبغيرها ظفرت بي الوعثاء
ويرجو الراشدي جميل القول، فينشد من بحر الطويل:
رجوت جميل القول يُوفي النَّصابا
قصيدا يُنيخ الوجد منّي خطابا
علمت افتقاري ما يصاغ كفاية
لمن ببليغ القول أهدي كتابا
ولكن طمعت القرب منه، وإنني
لأهفو ولو حرفا أسوق احتسابا
تميل بي الأفكار يمنا ويسرة
وفي قول ما أنوي تكون شِهابا
وفي أنت أقداري ينتقل الراشدي إلى بحر الخفيف، فيقول:
يا رياضا هل أجتني منك نفحا
كي أداري شوقا تمادى ولفحا
يا غصونا قد شاغلتني بفرع
ينثني راسلا عذابا وفرحا
يا لحاظا من ناعس أسهمتني
كنت مطروحا زدت غلبا وطرحا
يارياحا راودتها عن رباها
ثبتيني بها ظلالا ودوحا
أين ما كنت من رحاب فإني
راشفٌ من رضابها لذّ سيحا
وفي خصال زكت استخدم الشاعر بحر الطويل، يقول:
خصال زكت من وردها عبُ نُهال
تسامى بها قدرا رجالٌ لها صالوا
وصفحٌ لما عكر بدا من أقارب
وإن زرت تعطي باليمين فقد نالوا
كما أنت دوما أسبق بادئ بما
يداري مراعٍ للوداد وإن غالوا
وباد بمعروف ذخير صنيعه صنيعه
ولا يخشى من جانب منه نوال
بما حاز قد أعطى إذا لح طالبُ
متى كان في خير ولا مل سؤال
ثم عرج على بحر الكامل في زهت الشموس الذي يقول فيها:
زهت الشموس بما تضئ أصيلا
ولأجلها خطب الجمال خليلا
الشمس في الأفق الرحيب بهية
والأرض تضحك تنتشي تدليلا
في قرصها الذهبي يغري حُسنها
ألق الوجود به يكون جميلا
هي للوجود بها الحياة مضيئة
مثل الأمومة نورها موصولا
ويعود بنا الراشدي إلى بحر الطويل في سماوية طافت، فيقول:
سماوية طافت بقربي تصيب
لحاظ لها أمطرن قلبا يذوب
هممتُ وبادرتُ الحديث ملاطفا
كما لحظت صدت ودل مجيب
فقلت أداري ما اعتراني صبابة
أيا قلب لا تهلع كفاك وجيب
وقيت العنا من أول الدرب والأسى
وعداك غلب فيك منه نصيب
ألا تستفيق الرشد فيك، وقاية
وكيف نسيت الأمس وهو قريب
ويناجي الشاعر الليل مستخدما بحر الرمل فيقول:
يا غصينا لاح من بين الأجم
فيه حسن تتجلى فيه الظُلم
أهيف الخصر ويمشي الخيزلي
يقصر الخطو ومحسور الهمم
قلت يا غصن الربى مل من هنا
واقترب مني أرى وقع الرسم
يا شقيق الروح عداك الونى
إمض نحوي والتقيني بالأمم
وفي قول سلام يعود الراشدي لاستخدام بحر الخفيف ويقول:
في رحاب الفسيح يُلفى زحام
مربكا، كم من مثله قد يرام
بيد أن الزحام حين تراه
من قريب يغريك فيه انسجام
إن ما يبدو من بعيد معيبا
زال عيب إن نيط عنه اللثام
ويمضي الراشدي في البوح بمشاعره عبر قصائده، التي عنونها بـردي لحاظك، ودرَّ عسلُها، فاضت بنُعمي، كم عند واديك، وفَّهِ الأحبار، عُذيب، تُناولني، عيناك هالة بدر، لا يطفئ الوهج، يغنيك ارتدادا، نريد العقل، دعوها، علقنا، تعطي الرياضة، أطلت بوجه، ولبلاب، ليت دنياك، أنا الوادي، هل في الحقيقة، كم أخذنا، توسلتها، أرخت بخافقها، أشقق بحيزومك، يا ويلتاه، تُقضى المطالب، هذا ذباب، سطوة الحب.