أحبابنا الكرام.. لقد دار الحديث في اللقاء السابق حول فضل ليلة النصف من شعبان، ومما ورد في فضلها ما جاء عند (ابن ماجة برقم: 1388)وَعَنْ عَلِيٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى اللَّه عليه وسلم):(إِذَا كَانَتْ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَقُومُوا لَيْلَهَا وَصُومُوا يَوْمَهَا، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَنْزِلُ فِيهَا لِغُرُوبِ الشَّمْسِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ: أَلَا مِنْ مُسْتَغْفِرٍ فَأَغْفِرَ لَهُ؟ أَلَا مُسْتَرْزِقٌ فَأَرْزُقَهُ؟ أَلَا مُبْتَلًى فَأُعَافِيَهُ؟ أَلَا كَذَا أَلَا كَذَا حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ)،ومعنى قوله:(فقوموا ليلها) الظاهر (فيها) وأنت الضمير؛ لأن النصف متعدد، أضاف الليلة إليها باعتبار المبدأ، فافهم.وقوله:(لغروب الشمس) وفي سائر الليالي خص النزول بالثلث الأخير.وقوله:(ألا من مستغفر) مجرور بزيادة (من)،وقوله: (ألا مسترزق) مرفوع بترك (من)، فليتأمل.
وجاء في(فضائل الأوقات للبيهقي، ص: 127): (عَنْ عَائِشَةَـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَاـ قَالَتْ: لَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ انْسَلَّ رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ مِنْ مِرْطِي، ثُمَّ قَالَتْ: وَاللَّهِ مَا كَانَ مِرْطُنَا مِنْ خَزٍّ، وَلَا قَزٍّ، وَلَا، كُرْسُفٍ، وَلَا كَتَّانٍ، وَلَا صُوفٍ فَقُلْتُ: سُبْحَانَ اللَّهِ فَمِنْ أَيِّ شَيْءٍ؟ قَالَتْ: إِنْ كَانَ سَدَاهُ لَشَعْرٌ، وَإِنْ كَانَتْ لُحْمَتُهُ لَمِنْ وَبَرِ الْإِبِلِ، قَالَتْ: فَخَشِيتُ أَنْ يَكُونَ أَتَى بَعْضَ نِسَائِهِ، فَقُمْتُ أَلْتَمِسُهُ فِي الْبَيْتِ فَيَقَعُ قَدَمِي عَلَى قَدَمَيْهِ وَهُوَ سَاجِدٌ فَحَفِظْتُ مِنْ قَوْلِهِ وَهُوَ يَقُولُ:سَجَدَ لَكَ سَوَادِي وَخَيَالِي، وَآمَنَ لَكَ فُؤَادِي، وَأَبُوءُ لَكَ بِالنِّعَمِ، وَأَعْتَرِفُ بِالذُّنُوبِ الْعَظِيمَةِ، ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، أَعُوذُ بِعَفْوِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَأَعُوذُ بِرَحْمَتِكَ مِنْ نِقْمَتِكَ، وَأَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ، قَالَتْ: فَمَا زَالَ رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ يُصَلِّي قَائِمًا وَقَاعِدًا حَتَّى أَصْبَحَ، فَأَصْبَحَ وَقَدِ اضْمَعَدَتْ قَدَمَاهُ، فَإِنِّي لَأَغْمِزُهَا، وَقُلْتُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، أَتْعَبْتَ نَفْسَكَ، أَلَيْسَ قَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ؟ أَلَيْسَ قَدْ فَعَلَ اللَّهُ بِكَ؟ أَلَيْسَ أَلَيْسَ؟ فَقَالَ: بَلَى يَا عَائِشَةُ، أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا؟ هَلْ تَدْرِينَ مَا فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ؟ قَالَتْ: مَا فِيهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: فِيهَا أَنْ يُكْتَبَ.. الحديث)،وورد في كتاب (الغنية لطالبي طريق الحق 1/‏ 347): (عن مالك بن أنس، عن هشام بن عروة، عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: سمعت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول:(يفتح الله الخير في أربع ليال سحًا، ليلة الأضحى، وليلة الفطر، وليلة النصف من شعبان ينسخ الله فيها الآجال والأرزاق، ويكتب فيها الحاج، وليلة عرفة إلى الأذان).
ومن هنا ندرك أن ليلة النصف من شعبان ليلة مباركة مخصصة بالفصل ومحفوفة بالفخر فلا ينبغي للمؤمن أن يغفل عنها، بل ينبغي أن يبادر فيها إلى الطاعة ويهرع إلى الاستغفار، ويأوي إلى الفكر والذكر التسبيح والتهليل، نسأل الله تعالى أن يرزقنا فضلها وخيرها وما امتن الله تعالى على عباده فيها.
كما لا يفوتني قبل أن أختم حديثي أن أنبه عن الصدقات وإخراجها فما أعظم فضلها وما أكثر حسناتها،فـ(عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ ـ رضي الله عنه ـ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ ـ صلى الله عليه وسلم: أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى أَبْوَابِ الْخَيْرِ؟ الصَّوْمُ جُنَّةٌ وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ، وَصَلَاةُ الرَّجُلِ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ، ثُمَّ قَرَأَ:(تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ، فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (السجدة16ـ 17) (الجامع الصحيح للسنن والمسانيد (7/‏ 202)، وعَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ قَالَ:(كَانَ مَرْثَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْمُزَنِيُّ أَوَّلَ أَهْلِ مِصْرَ يَرُوحُ إِلَى الْمَسْجِدِ وَمَا رَأَيْتُهُ دَاخِلًا الْمَسْجِدَ قَطُّ، إِلَّا وَفِي كُمِّهِ صَدَقَةٌ، إِمَّا فُلُوسٌ، وَإِمَّا خُبْزٌ، وَإِمَّا قَمْحٌ، حَتَّى رُبَّمَا رَأَيْتُهُ يَحْمِلُ الْبَصَلَ، فَأَقُولُ: يَا أَبَا الْخَيْرِ، إِنَّ هَذَا يُنْتِنُ ثِيَابَكَ، فَيَقُولُ: يَا ابْنَ حَبِيبٍ، أَمَا إِنِّي لَمْ أَجِدْ فِي الْبَيْتِ شَيْئًا أَتَصَدَّقُ بِهِ غَيْرَهُ، إِنَّهُ حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) أَنَّ رَسُولَ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) قَالَ:(كُلُّ امْرِئٍ فِي ظِلِّ صَدَقَتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، حَتَّى يُفْصَلَ بَيْنَ النَّاسِ)(المرجع السابق 7/‏ 198).
فاللهم وفقنا جميعًا للخير في هذا الشهر وكل شهر، وفي هذه الأيام وكل أيامنا حتى نلقاك.



محمود عدلي الشريف
[email protected]