التجديد للرئيس الصيني (شي جي بينج) للولاية الثالثة على رأس قيادة الدولة واللجنة العسكرية في جمهورية الصين الشعبية، له أكثر من دلالة، وأهمها أنه يأتي مترافقًا مع صعود القوة الوطنية الشاملة للصين الشعبية، وتطوُّر مكانتها الدولية، وفي ظل الانخراط المتزايد لها في مختلف قضايا وعناوين دول الأطراف، وعموم المعمورة، وكان آخرها إسهامها الكبير في التوصل لإنجاز (إعلان بكين) بين إيران والمملكة العربية والسعودية، وبدَوْرٍ محسوس لسلطنة عُمان والعراق.
صعود الصين الشعبية بقيادة الرئيس (شي جي بينج) يتواصل رغم أن الخطاب السياسي الخارجي للصين الشعبية ما زال حتى الآن، خطابًا ديبلوماسيًّا جدًّا، وحقوقيًّا ومنمقًا، وبعيدًا عن راديكالية خطاب الحرب الباردة، أو حتى مفردات الخطاب الكوري الشمالي أو الكوبي في الوقت الراهن. الصين الشعبية تحاول التعامل بدرجة عالية من المرونة بشأن التفاصيل المُتعلقة بالقضايا الشائكة في العالم، وفي صراعها مع الولايات المتحدة، وفي وقتٍ ما زالت فيه مُتمسكة بشعارها المجبول مع خطاب أيديولوجي رسمي في الداخل الصيني، يستلهم مفردات (الحقبة الماوية)، ويقدِّم رؤيته ضمن إطار الحزب الحاكم وتحت عنوان «الاشتراكية ذات الخصائص الصينية». وهي «اشتراكية... وليست أي مذهب آخر». على حد تأكيد الرئيس (شي جي بينج). إنَّ التطور الاقتصادي للصين وتمدُّدها على صعيد العالم، سواء عبر التجارة أو عبر مشاريع البنية التحتية الضخمة للربط الاقتصادي، كـ»الحزام والطريق»، فرض تعديلًا في دَور الصين وانخراطها في قضايا السياسة والصراعات الدولية. فدخلت على خط التفاصيل الدولية بتكتم. ولنا أن نستشهد بما أثاره الرئيس (شي جين بينج) خلال زيارة السعودية في كانون الأول/في ديسمبر 2022، وكذلك خلال استقباله الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في بكين في شباط/فبراير 2023. وقد يبيِّن دور الصين باعتبارها باتت قوة عظمى أساسية تحظى بحضور مؤثر في الشرق الأوسط. إذًا، جاء التجديد للرئيس (شي جي بينج) للولاية الثالثة على رأس الدولية الصينية، وهو ما يحدث لأول مرَّة منذ رحيل مؤسس الصين الشعبية (ماوتسي تونج)، مُعبّرًا عن انعطافة كبرى في الأداء السياسي الصيني المتوقع للمرحلة التالية، في ظل الصراع الدولي واشتداد تنافس المسارات الاقتصادية بين الصين والنظام العالمي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية. في وقت تندفع به بكين لإحداث المزيد من الاستقلال الاقتصادي، وربما التحلل من روابطها الاقتصادية مع الولايات المتحدة. وقد أشار لهذه الأمور تقرير نشرته وزارة الخارجية الصينية في شباط/فبراير 2023 الماضي، وتحت عنوان «الهيمنة الأميركية ومخاطرها»، حيث بدت لغة التقرير الاقتصادية واضحة، وفيها سعي الصين الشعبية لتحديد موقعها في العالم، وذلك بالضدِّ من موقع الهيمنة الأميركية، الذي فصلته على خمسة مستويات (سياسية، عسكرية، اقتصادية، تكنولوجية وثقافية). وقد اتهم التقرير واشنطن بتنظيم ما أسماه بـ»الثورات الملوَّنة» لغايات ليست إيجابية، لينطلق في تفصيل أوجه الهيمنة الأميركية الخمسة، ومفاعيلها السلبية، من «ثورة الورود» في جورجيا 2003، و»الثورة البرتقالية» في أوكرانيا، و»ثورة التوليب» في قرغيزستان، وكذلك الإطاحة بالرئيس فرديناند ماركوس الأب في الفلبين عام 1986، وغيرها من الأحداث في أميركا اللاتينية ومناطق من العالم.


علي بدوان
كاتب فلسطيني
عضو اتحاد الكتاب العرب
دمشق ـ اليرموك
[email protected]