تُشكِّل قضية الاحتباس الحراري الناتج عن التغيُّر المناخي الذي يشهده العالم نتيجة الاستخدام البشري غير المنضبط للبيئة إحدى أهمِّ القضايا والتحدِّيات التي يشهدها العالم في العصر الحديث، وبدأت العديد من الدول القلقة من تداعيات التغيُّر المناخي على الكوكب في العمل على أكثر من صعيد لشحذ الجهود وتضافرها بهدف حماية البيئة؛ إيمانًا منها بأنَّ إحداث فارق في هذا الملف يستلزم جهدًا جماعيًّا عالميًّا، سواء بَيْنَ الدوَل أو الأفراد. فحماية البيئة أضحت من المطالب الأساسيَّة التي يَجِبُ أنْ يحرص عليها كُلُّ إنسان يعيش على هذا الكرة الأرضيَّة من أقصاها إلى أقصاها، وأصبح من الضروريِّ غرس تلك المفاهيم البيئيَّة في عقول الأجيال الناشئة؛ وذلك لإعدادهم الإعداد المطلوب للتعاون معًا لحماية البيئة، خصوصًا وأنَّ أبناء اليوم هم بناة الغد وقادة المستقبل.
ومن هذا المنطلق، فقد حرصت العديد من الدوَل على تضمين مناهجها التعليميَّة موادَّ تُعنى بالتربية البيئيَّة؛ وذلك تأكيدًا على أنَّ مسؤوليَّات حماية البيئة وصيانتها تقع على عاتق الجميع، خصوصًا المؤسَّسات التربويَّة، حيث لا يُمكِنُ للبيئة أنْ تزدهر ما لَمْ تجتمع كُلُّ الجهود للمحافظة عليها وحمايتها من المخاطر الكثيرة التي يتسبب بها الإنسان نفسه. وأصبح ملاحظًا الاهتمام المتزايد بإدخال البُعد البيئيِّ في المناهج والكتب الدراسيَّة، وجعل الثقافة البيئيَّة جزءًا من البرنامج التربويِّ، الذي يقدَّم من خلال المؤسَّسات التعليميَّة التربويَّة والاجتماعيَّة، حيث من الضروريِّ أنْ يتعلم الأبناء الأخطار المُحدقة التي سنصل إليها حالَ استمرَّ الوضع على ما هو عليه من استخدامٍ جائرٍ للموارد البيئيَّة الطبيعيَّة، كما علينا التأكيد على دَوْرهم الحاليِّ والمستقبليِّ في حماية البيئة، عبر منظومة تعليميَّة تساعد المتعلم على فَهْم بيئته وإحداثِ تغيير إيجابيٍّ في سلوكه نَحْوَها. ونظرًا لأنَّ سلطنة عُمان من الدوَل التي تسعى إلى حماية البيئة، وتدرك المسؤوليَّة الجماعية في سبيل تحقيق ذلك، جاء الاحتفال بإدراج مفاهيم الاستدامة والاقتصاد الدائريِّ في المناهج الدراسيَّة العُمانيَّة؛ وذلك من قِبل الشركة العُمانيَّة القابضة لخدمات البيئة «بيئة» بالشَّراكة مع وزارة التربية والتعليم، حيث أدرجت وثيقة مفاهيم الاستدامة والاقتصاد الدائريِّ ضِمْنَ فعاليَّات أسبوع عُمان للاستدامة المقام في مركز عُمان للمؤتمرات والمعارض خلال الفترة من الـ12 إلى الـ16 من مارس الجاري. وتهدف هذه الوثيقة إلى إيجاد جيلٍ واعٍ بأهميَّة الحفاظ على البيئة، وأهميَّة ممارسة السلوكيَّات الصحيحة في التعامل مع النفايات. ويأتي هذا الحراك في إطار الالتزام الدَّائم من السَّلطنة لنشْرِ ثقافة الاستدامة والاقتصاد الدائريِّ بَيْنَ الأجيال الناشئة، وحرصًا منها على بناء أُسُسِ الوعيِ والمعرفة بما يتيح استغلال إمكانات قِطاع إدارة النفايات وتطويره لتحقيق أقصى استفادة في المستقبل، إضافةً إلى التركيز على أهميَّة الاقتصاد الدائريِّ. إنَّ هذا التوجُّه الجديد سيتلاقى مع الجهود الحكوميَّة السَّاعية لحماية البيئة العُمانيَّة، والهادفة إلى الوصول إلى الحياد الكربونيِّ الصفريِّ بحلول عام2050، فتحقيق ذلك الهدف يحتاج جيلًا واعيًا بقضايا بيئته، جيلًا يعمل على حمايتها انطلاقًا من أفراده. ولعلَّ تحقيق هذا الهدف يحتاج ـ بعد اعتماد لائحة المفاهيم المراد إدراجها في المناهج ـ إلى تدريب أعضاء المناهج والمُشرِفين على كيفيَّة إعداد نماذج لأنشطة إثرائيَّة تعالج مفاهيم الاستدامة والاقتصاد الدائريِّ في المناهج الدراسيَّة الحاليَّة، وتدريبهم على الأنشطة المُصمَّمة.