لا شكَّ في أن «النهضة العُمانية» قد بدأت كفكرة، ولا بُدَّ من أن هذه الفكرة قد تفاعلت في ضمائر الجمهور الواعي من العُمانيين، أي هؤلاء الطلائعيين الذين لم يستكينوا أو يرضخوا لحال التراجع والكساد والجهل الذي كان مستشريًا في عُمان ما قَبل النهضة، لذا تجدهم قد انتفضوا ضدَّ هذه الحال على سبيل مواكبة العصر والتقدم.
بَيْد أن النهضة (كما أدرك الواعون) إنَّما هي أشبه بحال اشتعال تطلق من خلاله الطاقات الكامنة في دواخل الأفراد والجماعات التي كانت في انتظار لـ»ومضة» تاريخية تحقق هذا التوقد الذي يحرر الطاقات الجماعية: وهنا، ظهرت الحاجة لقائد تاريخي يخدم كقدحة تطلق طاقات العُمانيين والعُمانيات، فتنقلهم من حال السكون والاستكانة إلى حال التفاعل والعمل المثابر الواعد بمستقبل مشرق.
ليست معايير هذا المستقبل مستقاة من المقارنة المجرَّدة بين ما كان يجري هنا وهناك في دول الجوار أو عبر الدول ذات الظروف المماثلة، بل هي اعتمدت معايير عُمانية خالصة، معايير لا تنطبق على سوى هذا الشعب العُماني المقدام والمتطلع إلى مستقبل هو من نتاج الشخصية العمانية المتفردة، كما أنه من معطيات محلِّية عُمانية خاصَّة. بل إن هذا هو ما جعل من التجربة العُمانية تجربة متفردة، لا هي نسخ لتجارب الآخرين، ولا استنساخ لها. وعليه، خلت النهضة العُمانية من بذور التلكؤ والانكفاء والإخفاقات على تنوُّعها.
وهكذا، خطت سلطنة عُمان خطواتها الأولى على بداية عقد السبعينيات من القرن الماضي، مفرزة تجربة نهضوية تقدُّمية حقيقية، تجربة غير قابلة للنكسات أو للخيبات؛ لأنَّها تجربة تتجايل مع ذلك الوعي التاريخي التوَّاق للثورة ضدَّ الركود والسكونية على سبيل ولوج حال الحركية والإبداع.
وهنا، جاء دور القائد التاريخي الذي لولاه ما تحققت القدحة أو الشذرة الأولى لتأجيج طاقات النهضة وتحريرها كي تسير قاطرة النهضة على مسار تقدم ينقل ركابه من أبناء أهلنا العُمانيين من محطَّة إلى أخرى، في وتيرة متَّسقة ومتسارعة ومتناغمة مع العصر كي تجد مسقط لنفسها موطئ قدم يواكب ما يحدث في العالم المعاصر من حركية وإنجازات تسرُّ الصديق وتغيض العدوَّ.
وحالما تحققت الشروط المسبقة للمَسيرة المَجيدة، تنادى العُمانيون كي يحرروا طاقاتهم التي بقيت كامنة طويلًا، من أجل الإسهام في مَسيرة التقدُّم الموائمة لطبيعة عصر لا يرحم المتخلفين عن ركبه.


أ.د. محمد الدعمي
كاتب وباحث أكاديمي عراقي