لكل مجال أُسُسه وقواعده التي يقوم عليها، وهي التي تؤطر خريطة طريقه، فبدونها تغدو الأشياء عشوائية ولا تحقق الأهداف المرجوة، لذلك تظل القواعد في كل شيء هي الترمومتر الذي يتحكم في نجاح أي عمل أو أي مجال في الحياة.
الأسبوع الماضي كنتُ برفقة أحد الأصدقاء ومررنا على محلٍّ يقدِّم وجبات تقليدية مثل التي نعدُّها في البيوت، ولكن بأيادٍ وافدة، المحلُّ مرتب من الداخل ويعتمد في الأساس على الطلبات الخارجية، ورغم وسطية جودة المنتج المقدَّم، إلا أن ما لفت انتباهنا هو طريقة التقديم، سواء كنت في المحلِّ أم أخذت طلبك خارجيا. عندها عقدنا مقارنة سريعة ما بين ما يتم تقديمه من قِبل الباعة العُمانيين والموجودين في أغلب الأماكن في ولاياتنا العُمانية، وما بين ما يقدِّمه هذا المحلُّ، ومع اعترافنا بأنَّ ما يُقدَّم عن طريق الأيادي العاملة العُمانية أفضل وأنظف، إلا أن الإقبال يظل قليلا بالمقارنة مع هذا المحلِّ. لقد أرجعنا السبب إلى مسألة طريقة العرض والتقديم، فأنت لا تستسيغ شراء منتج معروض بطريقة بدائية وعلى طاولة مهترئة ويُقدَّم لك في أوعية بلاستيكية عادية وتكلفته قد تتجاوز ما يُقدَّم في محالَّ تهتم بطريقة تقديم أي منتج حتى على حساب المنتج نفسه، وفي المقابل يحدث العكس في أحيان كثيرة.
لا يُفهم كلامي على أنَّني لا أُشجع المنتج المحلِّي، بل إنَّني أذهب بك أيها القارئ العزيز إلى الفقرة الأولى من المقال والتي تتحدث عن قواعد النجاح في أي عمل وأي مجال، وأبرز قاعدة هنا كيف تُقدِّم منتجك بصورة جاذبة للناس، فلو بحثنا عن ماذا يهمنا كمستهلكين لوجدنا هذا الجانب أبرز أولوياتنا وفي كلِّ السلع، فعندما تذهب لشراء عطر معيَّن مثلًا لا يمكن أن تأخذ هذا العطر بدون الغطاء الورقي الذي يغلِّفه رغم أنَّك لا تستفيد منه شيئًا، لكن لو تم عرض العطر بدونه أو طُلب منك شراؤه بدون هذا المغلف ستتردد كثيرًا في اتخاذ القرار، وقِس الأمر على بقية السلع، وانظر أهمية تقديم المنتج وأهميته لك عند الشراء.
يبذل الكثير من مؤسسات المجتمع المحلِّي، وخصوصًا تلك المرتبطة بالمجال الخيري جهودًا مقدَّرة في دعم الأسر المنتجة، وإقامة المعارض لها بغية تشجيعها على الاستمرار والتطور وفتح منافذ لعملية البيع وكسب زبائن جدد، إلا أن هذه المعارض تظل تراوح مكانها نظرًا لأن ما يُقدَّم لا يتناسب مع فكر المتسوق، فالزبائن الآن تهتم بشكل كبير بكيفية تقديم المنتج؛ لأنها تشاهد وترى، سواء من خلال الوسائط التكنولوجية أو الواقع المعاش، سواء داخل سلطنة عمان أو خارجها، وبالتالي يجب أن يساير هذا الموضوع فكر المتسوقين لا أن يكون البون شاسعًا ما بين فِكر القائمين على هذه المعارض وفِكر المتسوقين. وفي اعتقادي الشخصي أن وجود توجُّه لهذا الفكر عند القائمين على إقامة هذه المعارض سيصاحبه تطوُّر مع فِكر أصحاب المشاريع أنفسهم.
إنَّ أبرز قاعدة في مجال العمل التجاري ليس المنتج ذاته، بل كيفية عرضه وتقديمه للزبائن بصورة يجعلهم يلهثون للحصول عليه، وما هذه الخدع التسويقية التي تقوم بها الشركات الكبيرة إلا دروس يجب الاستفادة منها وتطبيقها من قِبل أصحاب المشاريع المنزلية، وخصوصًا تلك المرتبطة بموضوع الأطعمة. وعندما أقول خدع لا يعني أن تكون هذه الخدع بالمعنى الحرفي للكلمة، ولكن أقصد منها كيفية استثارة المستهلك للشراء وفق الأُسُس الصحيحة لعمليتَي البيع والشراء، وهنالك مشاريع عُمانية نجح أصحابها في تحويلها إلى ثيمات يشار لها بالبنان، كما هي حال الكثير من العلامات التجارية العالمية التي بدأت من الصفر إلى أن انتشرت عالميًّا، ولكن كلَّ ذلك يحتاج إلى دراسة السوق والاطلاع على تجارب الآخرين وعدم الوقوف عند حدٍّ معيَّن من النجاح، فالذين وقفوا انتهوا، والواقع يثبت ذلك.


د. خصيب بن عبدالله القريني
[email protected]