منذ بدء العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا تسببت تلك الأزمة في زعزعة الاقتصاد العالمي. إلَّا أنَّها أسهمت في ارتفاع أسعار النفط ونمو الطلب عليه. كما أسهم ارتفاع أسعار النفط في انتعاش كبير في البورصات الخليجية. واتجهت البوصلة نحو أسواق المال الخليجي؛ حيث تُعد مكانًا آمنًا للمستثمرين الأجانب. وكذلك انعكس ارتفاع أسعار النفط على سلطنة عُمان إيجابًا في تراجع الدَّين العام وتحسُّن الوضع المالي والتصنيف الائتماني، كما استمرت الحكومة في الإنفاق على المشاريع التنموية المختلفة مما أثرت تلك العوامل في تحقيق أداء أفضل لبورصة مسقط منذ مطلع العام الحالي.
وكما هو معلوم فإن السلطنة ماضية لتنفيذ خطط استراتيجية نحو تنويع الاقتصاد العُماني والموارد المالية، وخصخصة بعض القطاعات الاستراتيجية لرفع أدائها المؤسَّسي والمالي. وتماشيًا مع أولويات رؤية عُمان 2040 يسعى جهاز الاستثمار العُماني للتخارج من 5 شركات وإدراجها في بورصة مسقط خلال هذا العام. يذكر أن الجهاز تبنَّى خطة شاملة للتخارج من عدد لا يقلُّ عن 20 شركة مملوكة لجهاز الاستثمار العُماني والشركات التابعة له خلال المرحلة القادمة. وتنفيذًا لتلك الخطَّة فقد تم طرح الاكتتاب لشركة «أبراج لخدمات الطاقة» والمتخصصة في خدمات حقول النفط والآبار في شهر فبراير الماضي من هذا العام، وأصبحت مدرجة في بورصة مسقط، خلال منتصف شهر مارس 2023. كما سيتم طرح شركات متعددة في قطاعات أخرى كالقطاع السياحي والقطاع اللوجستي، والقطاع السمكي خلال الفترة القادمة.
وفي هذا المقال سنركز على استراتيجيات الاستثمار في بورصة الأسهم، حيث يُعد الاستثمار في الأسهم استثمارًا جيدًا لنُمو رأس المال للفرد، إلَّا أنَّ هناك بعض الاستراتيجيات سنتطرق لها من أجل نشر التوعية المعرفية قَبل الانخراط في عالم الاستثمار في بورصة الأسهم. في البداية الاستثمار في الأسهم هو عالم تسوده المخاطرة؛ إذ ينصح دائمًا أن يستثمر الفرد الأموال الفائضة لديه وعدم التسرع في ضخ أموال ضخمة عند البدء في الاستثمار؛ حيث إن بورصة الأسهم متقلبة بين الربح والخسارة؛ لوجود عوامل مختلفة قد تؤثر على حركة السوق إيجابًا أو سلبًا. وقد يبدأ البعض باقتناص الفرص بالاستثمار في مرحلة الاكتتاب؛ لأنَّه في الأغلب يكون سعر السهم المعروض عند الاكتتاب منخفضًا وعند إدراجه في السوق الثانوي تبدأ عملية المضاربة، حيث يقوم بعض المستثمرين بعملية بيع الأسهم خلال الأيام الأولى من التداول للإفادة من فارق السعر بين الشراء والبيع. إلَّا أن البعض الآخر يحتفظ بالأسهم لفترة طويلة لتحقيق عائد أكبر من تلك الأسهم. بشكل عام، يوجد صنفان من المضاربين في بورصة الأسهم هما: المتداولون والمستثمرون. يعتمد المتداولون على زخم السوق في تنفيذ صفقات البيع والشراء، بينما يعتمد المستثمرون على العديد من العوامل مثل اتجاه السوق وخلفية الشركة ومحافظهم الاستثمارية.
إنَّ من أهم مبادئ الاستثمار هو مراقبة أداء الشركات، حيث إن بعض الشركات قد يكون أداؤها من حيث الأسهم جيدًا في العام الماضي، ولكن هذا ليس بالضرورة أن تستمر في الأداء بنفس الوتيرة في المستقبل. ولهذا يتطلب تحليل أداء الشركة بناءً على بعض البيانات المالية كبيان الربح والخسارة والميزانية العمومية وبيان التدفقات النقدية. كما أنَّه قد يلاحظ البعض بتدافع كبير نحو شراء أسهم معيَّنة، ولكنهم في الواقع يقعون في فخ المضاربة؛ لأنَّها عادة ما تكون الأسهم مقيَّمة بأكثر من قيمتها الحقيقية، وأنَّ ما يحدث هو فقاعة قد تنفجر في لحظة مخلِّفةً خسائر كبيرة للمستثمرين. ولذا يتطلب من المستثمرين إجراء دراسة ذاتية بدلًا من مجرَّد السَّير مع اتجاه السوق. كما ينصح بتنويع المحفظة لعددٍ من القطاعات الاستثمارية؛ إذ تهدف المحفظة لأخذ الحيطة من المخاطر، حيث تتحرك الأسهم في العادة في اتجاهات مختلفة حسب أداء القطاع في البورصة مما قد يساعد ذلك في تقليل الخسائر.
ومن أهم الأخطاء التي يلجأ إليها بعض المستثمرين بسوق بورصة الأسهم هو الدفع في الاستثمار بمزيد من الأموال في الأسهم التي تنخفض بشكلٍ حادٍّ، فقد يظن البعض أن ذلك قد يعوض خسارتهم، وهو في الحقيقة يزيد من معدَّل الخسارة لديهم بشكلٍ أكبر؛ لأنَّ عودة السَّهم لسعره الأصلي يكون معتمدًا على قوة عملية الطلب من قِبل المضاربين للسَّهم. ولذا لا بُدَّ للمستثمر أن يراقب تحركات الأسهم لديه، وأن يكون معدَّل الخسارة في المعدَّل المعقول؛ لأنَّه ربما يكون انخفاض السعر لفترة قصيرة فقط بسبب ارتباطها بعوامل اقتصادية أو أسباب أخرى مؤقتة متعلقة بالشركة، ولكن عندما ينخفض سعر الأسهم بشكلٍ كبير متجاوزًا أسقف الخسارة الذي حدَّده المستثمر، فعليه أن يبادر ببيع الأسهم الخاسرة مبكرًا قبل أن يزيد معدَّل الخسائر لديه.
ختامًا، الاستثمار في بورصة الأسهم يُعدُّ واحدًا من الاستثمارات التي قد تجلب عائدًا جيدًا للمستثمرين، ومن المتوقع أن تشهد أسواق الأسهم الخليجية انتعاشًا ونموًّا أعلى هذا العام. كما أن خطَّة إدراج عدد من الشركات خلال هذا العام في بورصة مسقط من المتوقع أن تحقق مكاسب أفضل للبورصة خلال الفترة القادمة من عام 2023. إلَّا أنَّه قد يكون من الأجدر الإحاطة ببعض أُسُس الاستثمار في بورصة الأسهم لتحقيق عوائد أكبر وتقليل معدَّل الخسائر. كما أنَّنا نوصي البعض الذين يفكرون بالاستثمار في منصَّات التداول المختلفة عبر الإنترنت، عدم التسرع في الانخراط لمِثل هذه المنصَّات قَبل التأكد من كونها مرخَّصة وموثوقة لتلافي الوقوع في عمليات الاحتيال.



د. يوسف بن خميس المبسلي
متخصص في العلوم المالية والاقتصاد